يبين الداعية الإسلامي د. محمود عبد العزيز أستاذ الفقه المقارن أن مما نشكوه إلى الله في زماننا انتشار المكاسب المحرمة، والأموال الخبيثة، ومجاهرة الناس في طلبها والسعي في تحصيلها؛ حتى شاع ذلك وانتشر، وألفه الكثير، مضيفًا لقد اهتم الإسلام بالمال، وطُرق كسبه، اهتماما كبيراً، وحذر من فتنة المال، والانحراف بسببه، ووضح الطرق السليمة لكسبه، والطرق الصحيحة لإنفاقه وصرفه، وخوف وأوعد من حجبه عن مستحقه.
وأضاف في كتابه الرائع "رمضان فرصتك" أن الإسلام نهى عن الكسب الحرام، لأنه شؤم، وبلاء على صاحبه، فبسببه يقسو القلب، وينطفئ نور الإيمان، ويحل غضب الجبار، ويمنع إجابة الدعاء، بل إن وبال الكسب الحرام يكون على الأمة كلها فبسببه تفشو مساوئ الأخلاق من سرقة وغصب ورشوة وربا وغش واحتكار وتطفيف للكيل والميزان وأكل مال اليتيم وأكل أموال الناس بالباطل، وشيوع الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
واستطرد: الإنسان سيحاسب على ماله لا محالة، من أين اكتسبه وفيما أنفقه، روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، وذكر منها.. وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه).
أقوال السلف الصالح في أكل الحرام:
ولذا حرِص الإسلامُ على التوجيهِ الصريح والإرشادِ الجليّ حتى يكونَ المسلم حريصًا أشدَّ الحرص على تنقيةِ مكاسبِه من كلِّ كسبٍ خبيثٍ أو مالٍ محرَّم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [النساء:29]، ورسولُنا صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) رواه مسلم، ويقول الفاروق عمر رضي الله عنه: (كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام)، ويقول ابن كثير رحمه الله "الأكل من الحلال سبب لقبول الدعاء والعبادة، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبول الدعاء والعبادة"، ويقول يحيى بن معاذ: "خرج قوم من بني إسرائيل مخرجا، يطلبون الاستسقاء، فأوحى الله إلى نبيهم قل لهم: إنكم خرجتم إلى بأجساد نجسة، وبأيد قد سفكتم بها الدماء، وملأتم بها بيوتكم من الحرام، الآن اشتد غضبي عليكم، ولن تزدادوا مني إلا بعدا"، ويقول ابن رجب رحمه الله: "أكل الحرام وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجب لعدم إجابة الدعاء".
إن مما لا شك فيه أن أكل الحرام يمنع من قبول الدعاء، بل قد يمنع من قبول العبادة، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام".
وقال قتادة رحمه الله: (اعلم يا ابن آدم أن قضاء القاضي لا يحل لك حراماً، ولا يحق لك باطلاً، وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب، واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة فيقضي على المبطل للمحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا).
رمضان فرصتك للتغيير:
ويؤكد د. "عبد العزيز" أن رمضان شهر التغيير، وبداية التغيير في رمضان أن نلزم أنفسنا بأكل الحلال، وقد كان من دعاء بعض الصالحين: اللهم باعد بيني وبين المال الحرام كما باعدت بين المشرق والمغرب، وقال صلى الله عليه وسلم: "ليأتيَنَّ على الناسِ زمانٌ، لا يُبالي المرءُ بما أخذَ المالَ، أمِن حلالٍ أمْ من حرامٍ" رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الحرص على المكسب السريع:
وينصح بعض الناس يستعجلون في قضية الرزق فهم يريدون الحصول على المال من أي جهة وبأي طريق حتى لو كان من حرام، فالمكسب السريع عندهم هو الغاية المرجوة والهدف المنشود، وقد يتأخر الرزق عن بعض الناس لحكمة يعلمها مقدر الأرزاق ومقسمها ؛ فيحمله استبطاء الرزق على أن يطلبه بمعصية الله ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال فيما رواه ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يستبطئن أحد منكم رزقه فإن جبريل ألقى في روعي أن أحداً منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله، فإن الله لا ينال فضله بمعصيته " (رواه الحاكم وصححه)
وشهر رمضان فرصتك للتغيير، فلا تأكل إلا الحلال.
ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب، ومطعمه من حرام ومشربه من حرام وملبسه من حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له» فلا تأكل إلا الحلال ولا تطعم أبناءك إلا من الحلال.
لأن المال الحرام مصيبته كبيرة، وتبعته ثقيلة. والمال الحرام مثل: الرِشوة التي يأخذها الموظف، ويُكره الناس على دفعها له.والمال الحرام مثل أكل مال الأيتام. أو أن يأكل الإنسان ميراث إخوانه وأخواته والمال الحرام مثل المال المسروق والمال الحرام مثل الربا؛ مال المرابي الذي يعطي الناس مثلاً عشرة آلاف ويأخذ هذه العشرة آلاف بعد سنة أو أقل أو أكثر يأخذها اثنى عشر ألفاً أو ثلاثة عشر ألفاً بدون نية التجارة، وبدون نية المرابحة، وإنما هكذا قرض جر نفعاً، والقاعدة الفقهية تقول: «كل قرض جر نفعاً فهو ربا» والمسلم الذي يأكل الحلال فإن الله تعالى يحفظه ويحفظ أبنائه الربا مثلاً، فيه استغلال لحاجة الفقراء، والسرقة فيها الخيانة، قال تعالى:﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة:38] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الرِشوة: «لعنَ اللهُ الراشي، والْمُرْتَشِي، والرائِشَ» والرائش هو الذي يسعى بينهما في تخليص أمر الرشوة.
ومن المال الحرام، المتاجرة في المحرمات، مثل من يتاجر في الخمور، والدخان، ومن يتاجر في المخدرات، ومن يتاجر في السلاح، ليقتتل به المسلمون فيما بينهم، وتسفك به الدماء، فكل هذه تجارات محرمة.
المسلم يحرص ألا يأكل إلا طيباً.
ومن المال الحرام أكل أموال العُمال في الشركات، أو السَائقين والخدم في البيوت، وتأخير الرواتب، أو إنقاصها، أو التحايل في تقليلها، أو منعها.
عواقب أكل الحرام:
لقد نسي هؤلاء جميعا أو تناسوا أن المال الحرام أخبث الكسب، وأسوأ العمل، وزاد صاحبه إلى النار.. وأن المكاسب المحرمة ذات عواقب وخيمة وآثار سيئة عظيمة على الفرد والأمة.
سبب عقوق الأولاد:
فهو من أعظم أسباب تزايد العقوق وانحراف الأبناء، وانعدام البر، وكثرة الجحود، ولماذا لا يعق الأبناء من أطعمهم الحرام، وأنبت أجسادهم من السحت، وعرضهم لعذاب النار.
ومن أعظم الأموال المحرمة أكل أموال اليتامى، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء:10].
ومن الكسب الحرام من يتاجر في الخمور، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لعن الله الخمر، ولعن شاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها»، وفى رواية: «لعن رسول الله في الخمر ست ومنها بائعها»، فها هو شهر رمضان، بداية التغيير، فهيا بنا لنفتح صفحة جديدة مع الله تعالى، ولا نأكل إلا الحلال.