حتى بلع الريق بدون ألم نعمة تستحق الشكر، فتخيل أنك مطالب مع كل (بلعة ريق) واحدة، تتوقف لتحمد الله عز وجل على هذه النعمة، ومع ذلك، يمر يومك دون ذكر شكر واحد، أو حمد واحد على مجمل ما أنت فيه من نعم لا تعد ولا تحصى.
إذ يروى أن ابن السماك دخل على هارون الرشيد الخليفة العباسي يومًا فاستسقى الخليفة، فأُتى بكأس بها فلما أخذها قال ابن السماك: «على رسلك يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها، قال: بنصف ملكي، قال: اشرب هنأك الله تعالى يا أمير المؤمنين، فلما شربها، قال: أسألك بالله لو منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشترى خروجها، قال: بجميع ملكي، قال ابن السماك: لا خير في ملك لا يساوي شربة ماء، فبكى هارون الرشيد..." يا الله!! مُلك يمتد من الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً لا يساوي شربة ماء».
اظهار أخبار متعلقة
صغار النعم
إياك أن تستصغر نعم الله عليك، فلا تعطي أي اهتمام لأمور تحسبها عادية، أو اعتدت عليها، مثل شرب الماء بشكل عادي دون ألم أو من خلال (خراطيم)، أو أن تتبول بشكل عادي دون ألم، أو من خلال توصيلات للمعدة، أو أنك تأكل بشكل عادي وليس من خلال الحقن أو المحاليل، كلها أمور اعتدت عليها، لكنها بالفعل نعم عظيمة جدًا لو منعت منها لذقت مرار ليس كأي مرار، فإن نعم الله علينا لا تعد، ولا تحصى، بل هي متتابعة، بتتابع الليل والنهار.
قال تعالى: « وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ » (إبراهيم: 34)، وقال تعالى: « مَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ» (النحل: 53)، فيتعين على العبد أن يشكر الله تعالى على نعمه وإن كانت صغيرة في نظر الناس، أو اعتادها الناس، قال الله تعالى : «وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» (النحل: 114 ).
لا تكن من القليلين
تخيل أنه رغم كل هذه النعم التي نحيا فيها ليل نهار، ومع ذلك القليل من الناس هم الشاكرين الحامدين، قال تعالى يؤكد ذلك: «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ» (سبأ: 13 )، وفي الصحيحين عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، أنه قام حتى تورمت قدماه فقيل له : تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : «أفلا أكون عبدا شكورا»، وذلك حين نصح سيدنا معاذ رضي الله عنه، قال له: «والله يا معاذ إني لأحبك, فلا تنس أن تقول في دبر كل صلاة : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».