شهرمضان تاج علي رأس الزمان ..شهر رمضان هو شهر القرآن، وشهر الصوم، وشهر الصدقات، وشهر القيام، وشهر القربات، وشهر الانتصارات، وينبغي أن يتأثر المسلم في قلبه وروحه، وفي سلوكه وأخلاقه بهذه الخصائص فيتعلم من المدرسة الربانية ويستفيد من الشحنة الإيمانية ويتعرض للنفحات المباركة.
وفي هذا الشهر يتعلم المسلم من رمضان التقوى، فيكون في حذر شديد أثناء صومه من الاقتراب من الطعام والشراب والشهوة وكذلك من جميع ما لا يرضي ربه عنه، وبعد الإفطار يكون في حذر شديد من الوقوع فيما يغضب الله، فهو يراقب الله ويملأ أوقاته بالطاعات
وفي هذا السياق تعد التقوى من ثمرات شهر رمضان والصوم، قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ 183 [البقرة : والتقوى في لغة العرب : مشتقة من وقاه وقيا ووقاية : صانه. من قبيل اشتقاق المصدر من الفعل على مذهب الكوفيين أو التقوى ليس بمصدر بل اسم كالعلم ويؤيده ما في القاموس واتقيت الشيء وتقيته حذرته.
وهناك معاني كثيرة لها في الشرع ذكرها العلماء لعل أبسطها : التباعد عن كل مضر في الآخرة، وقد ذُكر في معناها أيضا : أنها عبارة عن حجاب معنوي يتخذه العبد بينه وبين العقاب، كما أن الحجاب المحسوس يتخذه العبد مانعا بينه وبين ما يكرهه [أحكام القرآن للجصاص]
وبحسب منشور للدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فإن التقوي هي سبيل الفلاح، فقال تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [البقرة : 189]. وهي كذلك من أسباب معية الله : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ) [البقرة : 194]. وهي باب للتعرف على صفات الجلال لله سبحانه وتعالى، قال تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ) [البقرة : 196].
بل أن التقوي هي المعيار المعتبر للتفاضل بين الناس : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات : 13]. والتقوى سبب لدخول الجنة قال النبي ﷺ : «أكثر ما يدخل الجنة تقوى الله وحسن الخلق»[أخرجه الترمذي وصححه الحاكم]. وسبب لمحبة الله سبحانه وتعالى، فعن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي» [أخرجه مسلم
ومن المهم هنا الإشارة إلي أن الصبر ثمرة أخرى يتعلمها المسلم من هذا الشهر الفضيل، فيتعلم تحمل الألم والجزع في سبيل الله، ويهون عليه ألم النفس لرضا ربه، فشهر رمضان شهر التربية، يكسر فيه المسلم شهوته، ويلغي هواه، ولعل المنع من المباح في نهار رمضان والإذن فيه في الليل ثم المنع في الفجر يمثل منهجا تربويا في الامتثال لكل أوامر الله، حيث يتدرب المسلم على الترك والفعل في حدود المباح والمأذون له.
فهذا الشهر الفضيل يصنع المسلم الطاهر الممتثل لأمر الله التقي الصابر، وما زال في شهر رمضان آثار وأسرار كثيرة نسأل الله أن يتقبل منا صيامه وقيامه آمين
ومن الفضائل التي خص بها الله بها شهر رمضان صلاة التراويح، وهي شكل من أشكال صلاة الليل، وأجمع المسلمون على سنية قيام ليالي رمضان, وقد ذكر النووي أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح يعني أنه يحصل المقصود من القيام بصلاة التراويح.
وكما نعلم التراويح في اللغة : جمع الترويحة. يقول ابن منظور : « التَّرْويحةُ فـي شهر رمضان: سميِّت بذلك لاستراحة القوم بعد كل أَربع ركعات؛ وفـي الـحديث : صلاة التراويح؛ لأَنهم كانوا يستريحون بـين كل تسلـيمتـين. و التراويح: جمع تَرْوِيحة، وهي الـمرة الواحدة من الراحة، تَفْعِيلة منها، مثل تسلـيمة من السَّلام».
فهي قيام رمضان، ولها هيئة مخصوصة، يسلم بعد كل ركعتين، وينوي بها سنة التراويح، وهي سنة نبوية في أصلها، عمرية في هيئتها وعدد ركعاتها .
ومن فضائل شهر رمضان كذلك الاعتكاف، وهو لغة الافتعال , من عكف على الشيء عكوفا وعكفا . من بابي : قعد , وضرب . إذا لازمه وواظب عليه , وعكفت الشيء : حبسته. وشرعا : اللبث في المسجد على صفة مخصوصة بنية
وفي صلاة الاعتكاف يدخل المسلم في مكان معد لخلوته بالمسجد بمجرد غروب شمس اليوم العشرين من رمضان، ويخرج من معتكفه بغروب شمس آخر أيام رمضان، ويقضي هذه الفترة في ذكر الله وتلاوة القرآن والتفكر والتأمل، ويقلل من الاختلاط بالناس ويجمع قلبه على ربه. فيجتمع للاعتكاف كثير من الطاعات؛ من التلاوة ، والصلاة ، والذكر ، والدعاء ، وغيرها.
«وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا» [أخرجه البخاري] .
ويكون الاعتكاف في هذا العشر الأواخر لأجل طلب ليلة القدر، وهي عند الشافعي -رضي الله عنه- منحصرة في العشر الأخير من رمضان، فكل ليلة محتملة لها لكن ليالي الوتر أرجاها، وأرجى ليالي الوتر ليلة الحادي أو الثالث والعشرين، وعند الجمهور هي ليلة السابع والعشرين