كثيرون يتصورون أن الهدف الأساسي من الصيام هو أن نشعر بالفقراء، إذا ضربهم الجوع أو العطش أو حتى صداع ما، والحقيقة أن هذا الأمر قد يكون بعيدًا عن الهدف الأسمى من الصيام، إذ أننا من الممكن أن نشعر بالفقراء بطريقة أخرى، لأننا للأسف قد نخسر الهدف الأساسي من الصيام.
فعلى كل مسلم أن يعلم أولاده أن الصيام فرض علينا حتى نتعلم كيف نتحكم في شهواتنا، وأن الصيام يمنعنا من شهوات حلال، وبالتالي نستطيع ترك الذنوب والمعاصي والحرام بمنتهى السهولة، كما أن الصيام الذي يمنعك من الحلال وأنت تقول له سمعًا وطاعة إنما هو قمة الخضوع والاستسلام لله عز وجل… وفي النهاية عليك أن تعلم أولادك أن التسليم المطلق لله لا يمكنه أن يتضمن لماذا وكيف، لأننا مؤمنون به وبأوامره سبحانه وتعالى، وعلينا فقط التنفيذ.
لعلكم تتقون
يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة 183)، والتقوى هنا هي المصطلح الذي يحمل كل المعاني السابقة، من كف الشهوات والاستسلام لله عز وجل، وترك كل الذنوب والمعاصي، نزولا على أوامر الله عز وجل ونواهيه، دون الدخول في أسئلة ومهاترات لا معنى لها.
فحينما يقول الله أمرًا، ما على المؤمن سوى التسليم والتنفيذ، تأكيدًا لقوله تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا» (الأحزاب 36)، ومن فقد أجابنا الله سبحانه وتعالى بأن الحكمة والهدف من الصيام هي "التقوى"؛ فالصيام يعلم الإنسان ويدربه على التقوى التي تحميه من ارتكاب المعاصي والذنوب.
اقرأ أيضا:
"إلي مثواه الأخيرة " خطأ شرعي فتجنبه ..لهذه الأسبابأيام قليلة
أيضًا يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم عن الصيام: «أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، إذن هي مجرد أيام قليلة كأنها التدريب على ما سيحدث في بقية العام، فإذا نجح الإنسان في التمسك عن الأخطاء والذنوب في أيام معدودة، فبالتأكيد سينجح في بقية العام، لأنه سيرى الله في كل أعماله.
بل إنه حتى إذا وقع في أي خطأ، فإنه يعود من فوره إلى الله ويطلب العفو والمغفرة، كما يفعل الصائم في رمضان، قال تعالى يؤكد ذلك: «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ»، هنا الخشية والتوبة هى التى تتمثل فى الإقلاع عن الذنب، وعدم الإصرار عليه، وبالتالي فإن الغاية من الصيام هي التقوى «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم «الصيام جنة» أي وقاية يقى الصائم من فعل السيئات، وما أجمل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم».