لا ينبغي للمسلم أن يغفل عن القبر وما فيه من نعيم أو عذاب فهو فتنة ولهذا فإن النبي كان يستعي ذمن هذه الفتنة دوما؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من الكسل والهَرَم (أرْذَلُ العُمُر)، والمَغْرَم (الدَيْن) والمأثم (الأمر الذي يَأْثَم بِه الإنْسان)، اللهمَّ إني أعوذ بك من عذاب النار وفتنة النار، وفتنة القبر وعذاب القبر) رواه البخاري. قال ابن حجر: "قوله: (فتنة القبر) هي سؤال الملكين".
القبر أول منازل الآخرة:
ولقد أخبر النبي أن القبر هو أول منازل الآخرة وعلى المسلم أن يعلم له وأن يحسن عمل من أجل أن ينجو منه لأنه إن نجا منه فما بعده أيسر منه والعكس ، وقد دل على هذا حديث النبي صلى اله عليه وسلم، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ القبرَ أوَّل منزل من مَنازلِ الآخرة، فإن نجا منه، فما بعدَه أيسر منه، وإن لم يَنجُ منه، فما بعدَه أشدُّ منه) رواه الترمذي.
سؤال الملكين في القبر:
صحت الأحاديث عن ما يعرف بسؤال الملكين وقدور في وصفهما أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العَبْدُ إذَا وُضِعَ في قبره، وتُوُلِّيَ وذهب أصْحَابُه حتَّى إنَّه لَيَسْمَع قَرْعَ نِعَالِهِم، أتَاهُ مَلَكَان، فأقْعداه، فيَقولَان له: ما كُنْتَ تقول في هذا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؟ فيَقول: أشْهَدُ أنَّه عبدُ اللَّه ورسوله، فيُقَال: انْظُرْ إلى مَقْعَدِك مِنَ النَّار أبْدَلَكَ اللَّهُ به مَقْعداً مِنَ الجَنَّة، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: فَيَرَاهُما جمِيعا، وأَمَّا الكَافِر - أوِ المُنَافِق - فيقول: لا أدْرِي، كُنْتُ أقُول ما يقول النَّاس، فيُقَال: لا دَرَيْتَ ولَا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَب بمِطْرَقَةٍ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً بيْنَ أُذُنَيْه، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَن يلِيه إلَّا الثَّقَلَيْن (الإنس والجن)) رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ ـ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ ـ، أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَان أَزْرَقَان يُقَالُ لأحدهما: الْمُنْكَر وَالآخَر: النَّكِير، فَيَقولانِ: مَا كُنْتَ تقول في هذا الرَّجُلِ؟ فَيَقُول ما كان يقول: هُوَ عَبْدُ اللَّه ورسُوله، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُه وَرَسُوله، فَيَقُولان: قَدْ كُنَّا نعلم أَنَّكَ تَقُول هذا، ثُمَّ يُفْسَحُ له فِي قَبْرِهِ سَبْعُون ذِرَاعاً في سبعين، ثمَّ ينوَّرُ له فيه) رواه الترمذي.
القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار:
وبهذا يعلم أن سؤال الملكين وما بهما من نعيم أو عذاب ثابت بالأحاديث الصحيحة التي لا تقبل التشكيك؛ وأن القبر شيء من اثنين كما في الحديث: " القبرُ رَوضَةٌ من رياضِ الجنةِ ، أو حُفرَةٌ من حُفَرِ النارِ" ولهذا كان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت أن يستغفر له ففي الحديث كانَ النَّبيُّ إذا فَرغَ مِن دفنِ الميِّتِ وقفَ عليهِ، فَقالَ : استَغفِروا لأَخيكُم ، واسأَلوا لَهُ بالتَّثبيتِ ، فإنَّهُ الآنَ يسألُ .
ولكي يكون روضة من رياض الجنة لا يكون هذا إلا بإحسان العمل والصدق والإخلاص وحسن العلاقة مه الآخرين ومع الله والحرص على اغتنام الأوقات الفاضلة مثل رمضان والعشر الأواخر وليلة القدر.