روى أبان بن تغلب - وكان عابدا من عبّاد البصرة-: شهدت أعرابية وهي توصي ولدا لها يريد سفرا وهي تقول له: أي بني، اجلس أمنحك وصيتي، وبالله تعالى توفيقك، فإن الوصية أجدى عليك من كثير عقلك.
قال عابد البصرة: فوقفت مستمعا لكلامها مستحسنا لوصيتها فإذا هي تقول: أي بني، إياك والنميمة، فإنها تزرع الضغينة وتفرق بين المحبين، وإياك والتغرض للعيوب، فتتخذ غرضا، وخليق إلا يثبت الغرض على كثرة السهام، وإياك والجود بدينك، والبخل بمالك، وإذا هززت فاهزز كريما يلين لهزتك، ولا تهزز اللئيم فإنه صخرة لا يتفجر ماؤها.
يقول : ومن وصيتها أيضا، ومثل لنفسك أمثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به، وما استقبحت من غيرك فاجتنبه، فإن المرء لا يرى عيب نفسه، ومن كانت مودته بشره، وخالف ذلك فعله، كان صديقه منه على مثل الريح في تصرفها، ثم أمسكت.
يقول عابد البصرة أيضا: فدنوت منها فقلت: بالله يا أعرابية إلا زدتيه في الوصية، قالت: أوقد أعجبك كلام الأعراب يا عراقي؟
قلت: نعم، قالت: والغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم، ومن جمع الحلم والسخاء فقد ارتدى الحلة الحسنة.
اقرأ أيضا:
مواعظ مبكية بين عمر بن عبد العزيز والخليفة سليمانأعرابي يطلب المساعدة في ديته:
قدم أعرابي المدينة يطلب المساعدة والحمل معه في أربع ديات ، فقيل له: عليك بالحسن بن علي، وعليك بعبدالله بن جعفر، وعليك بسعيد بن العاص، وعليك بعبد الله بن العباس.
فدخل الأعرابي المسجد فرأى رجلا يخرج ومعه جماعة، فقال: من هذا؟ قيل: سعيد بن العاص.
قال: هذا أحد أصحابي الذين ذكروا لي، فمشى معه فأخبره بالذي قدم له، ومن ذكره وأنه أحدهم، وهو ساكت لا يجيبه.
فلما بلغ باب منزله قال لخازنه: قل لهذا الأعرابي فليأت بمن يحمل له، فقيل له: ائت بمن يحمل.
قال الأعرابي: عافي الله سعيدا، إنما سألناه فضة لسداد الدية، ولم نسأله تمرا.
قال: ويحك ائت بمن يحمل لك، فأخرج إليه أربعين ألفا، فاحتملها الأعرابي فمضى إلى البادية ولم يلق غيره من أصحابة الأربعة الذين وصفوا له.