صباح الرضا على أهل الرضا.. هؤلاء الذين تجدهم دائمًا غناهم في صدورهم.. يتمنون لك الخير فيؤتيهم الله الخير وزيادة.
وزيادة الخير، إنما تكون في الرضا والشكر والحمد، فطوبى لمن أوتي الرضا، وغلب هوى نفسه، وتمنى للناس الخير.
فكن على يقين، أن الغنى إنما هو غنى النفس، لأن الطماع مهما نال من كنوز الدنيا، لم ير سوى الغضب بين عينيه، بينما الراضي حتى لو نال أقل القليل فإن السعادة تملأ بين عينيه، وتراه يشكر الله على فضله ليل نهار.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما قال: « والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تُبْسَط الدنيا عليكم؛ كما بُسِطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم ».
الكنز الحقيقي
القناعة لاشك هي الكنز الحقيقي، ولكن القناعة لا تعني بالضرورة أن يكون العبد فقيراً، فالغني أيضًا محتاج إلى القناعة، كما أن الفقير بحاجة إلى القناعة، فقناعة الغني أن يكون شاكرًا راضيًا لله عز وجل، قناعته أن تكون الدنيا في يده لا في قلبه؛ حتى لا يكون عبدا لها، أما الآخرة فتكون في قلبه.
كم من صاحب مال وفير رزق القناعة، فلا يغش في تجارته، ولا يمنع الأجير حقه، ولا يذل نفسه للناس من أجل مال أو منصب أو جاه، ولا يمنع زكاة ماله، إن ربح شكر، وإن خسر رضي، فهذا هو القنوع ولو ملك قصور كسرى وقيصر، ولو ملك مال قارون، بينما قناعة الفقير، أن يكون راضيًا بما قسم الله له، مستسلما لأمر الله، لا ساخطا ولا شاكيًا، ولا جزعا من حاله، ولا غاضبًا على رازقه.
اقرأ أيضا:
"إلي مثواه الأخيرة " خطأ شرعي فتجنبه ..لهذه الأسبابحب الخير
قد يقول قائل، إن الإنسان بالطبع جلب على حبر الخير لنفسه، بالتأكيد هذه حقيقة، قال الله تعالى: « وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ » (العاديات:8)، وقال أيضًا سبحانه وتعالى: « إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً » (المعارج: 19-21)، ولكن أمام ذلك كله على الإنسان أن يقنع بما أوتي، لأن ما أتاه إنما هو من عند الله عز وجل.
وقد حث النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم على القناعة، وبيّن أنها طريق إلى السعادة والفلاح، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ».
فيا من أتعبت نفسك من أجل أن تنال الحياة الطيبة المطمئنة، عليك بالقناعة، فإن الحياة الطيبة الهادئة في القناعة، قال تعالى: « مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ » (النحل: 97).