يمر الإنسان بلحظات عصيبة، إلا أنه ومع عظم أي لحظات في الدنيا فهي لا توازي شيئا من لحظات الأخرة، التي يقف فيها المؤمنون على باب الأمل وحسن الظن بالله، ويصيب الكافرين حالة من الهلع لما فرطوا في جنب الله، ما يقطع بهم الأمل من الرحمة يوم القيامة، فالأمل هو انشراح النفس في وقت الضيق والأزمات؛ بحيث ينتظر المرء الفرج واليسر، كما أن الأمل يدفع الإنسان دائمًا إلى العمل والرجاء، وهذا حال أهل الجنة الذين يقفون على أبواب الرحمن مستغفرين ومسبحين أن ينجيهم الله من فضله .
فالأمل طاقة يودعها الله في قلوب المؤمنين يوم القيامة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا).
والمؤمن لا ييأس من رحمة الله؛ لأن الأمل في عفو الله هو الذي يدفعه إلى حسن الظن، مهما نظر إلى ذنوبه، حيث يطمع في مغفرته انطلاقا من فقال تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(الزمر: 53).
ومن المشاهد التي لا ينقطع فيها الأمل يوم القيامة، حال المؤمنين وهم آملين في ربهم ومحسنين الظن به كعادتهم، فيجازيهم ربهم في هذا اليوم العصيب خيرا، فيمرون من هذه المشاهد وكأنها لحظات من هبات النسيم، تأتي على وجوههم، في حر الصيف÷ بالرغم من الأهوال التي كتبها الله على عباده يوم القيامة، وما ينتظزر العاصي يوم الحساب.
فهذا اليوم العصيب حتى وَإِنْ كَان يوما عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا عَلَى الْعِبَادِ فَإِنَّهُ لمن أَعَدَّ لَهُ الْعُدَّةَ مِنَ الصَّالِحَاتِ، وَأَحْسَنَ الْعَمَلَ، فَسَيَكُونُ يَوْمَ سَعَادَةٍ وَكَرَامَةٍ، فكي يمر المؤمن به وماهي مشاهده؟.
كتابك بيمينك
بَيْنَمَا توزع الكتب على أصحابها، ويشهد الناس لحظات عصيبة، فَآخِذٌ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ينجيه الله من عذاب أليم، وَآخر بِشِمَالِه ينتظره عذاب أليم؛ يكرم الله أهل الإيمان فيأخذون كتبهم بأيمانهم ويستبشرون بالخيرِ: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ)[الْحَاقَّةِ: 19-20].
فبعد أن تتناول كتابك بيمينك تأتي لحظة السعادة الَّتِي تَنْتَظِرُهُ؛ (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)[الْحَاقَّةِ: 21-24].
جُلُوسُهُمْ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُور
يحشر الناس على أرض جَرْدَاءَ غَبْرَاءَ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا، وَالشَّمْسُ دَنَتْ مِنْهُمْ وَهُمْ يَتَصَبَّبُونَ عَرَقًا، قَدْ أَظْلَمَتْ عَلَيْهِمُ الدُّنْيَا وَبَلَغَتْ قُلُوبُهُمُ الْحَنَاجِرَ؛ لَكِنَّ المؤمنين على مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، رَوَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: "الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ".
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-؛ "إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا"(مُسْلِمٌ).
اظهار أخبار متعلقة
تحت ظل العرش الإلهي
جَاءَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلَاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ"(الْبُخَارِيُّ).
وَمِمَّنْ خَصَّهُمُ اللَّهُ -تَعَالَى- أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ بِظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ؛ مَنْ أَمْهَلَ مُعْسِرًا فِي دَيْنٍ إِلَى حِينِ تَيْسِيرِهِ، أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَأَعْفَاهُ عَنْ حَقِّهِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ؛ مُمْتَثِلًا قَوْلَ الرَّبِّ -سُبْحَانَهُ-: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 280]، وَفِي حَدِيثِ أَبِي الْيُسْرِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُظِلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ - فَلْيُنْظِرْ مُعْسِرًا أَوْ لِيَضَعْ لَهُ".
نورهم يسعى بين أيديهم
يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ لَا نُورَ فِيهِ وَلَا ضِيَاءَ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ نُورِ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِي أَصْحَابِهِ وَبِأَيْمَانِهِمْ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ)[الْحَدِيدِ: 12].
وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ"، وَقَوْلُهُ "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ كَانَتْ لَهُ نُورًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
وَمِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
عبور الصراط
يمر الناس يوم القيامة على الصراط، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْتَازَ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَّا مِنْ خِلَالِهِ، فوسيلة النقل الوحيدة يوم القيامة للعبور من على الصراط هي الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، وَعَلَى قَدْرِ سِبَاقِكَ فِي الطَّاعَاتِ يَكُونُ سُرْعَةُ مُرُورِكَ عَلَى الصِّرَاطِ؛ قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا)[مَرْيَمَ: 71] (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)[مَرْيَمَ: 72].
تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ
ينعم المؤمنون يوم القيامة في هذه اللحظات العصيبة بتحية الملائكة، لِأَهْلِ الْجِنَانِ وَاسْتِقْبَالُهُمْ عَلَى أَبْوَابِهَا حِينَ يُزَفُّونَ إِلَيْهَا؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 103]، وَقَوْلُهُ: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)[الزُّمَرِ: 73].
لا يخذيك الله في ذريتك
تَرَى ذُرِّيَّتُكَ تَتْبَعُكَ يُشَارِكُونَكَ الْفَرْحَةَ وَالسَّعَادَةَ؛ قَالَ الْكَرِيمُ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)[الطُّورِ: 21].
الشراب من يد النبي على الحوض في وقت العطش
ينعم المؤمنون بالخير كله يوم القيامة، وأجله حين يصطفون على الحوض يشربون من يد النبي صلى الله عليه وسلم: (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[النِّسَاءِ: 69].