يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (الأعراف 180).. وإن من أبرز الأسماء التي وردت في القرآن الكريم، وثبت أنها من أسماء الله عز وجل، هو اسم الله (البصير)، والمعنى أن الله عز وجل يبصر كل خلقه ويبصر كل شيء، من الأزل إلى الأبد لا يخفى عليه شيء.
وهذا المعنى يُشعر الإنسان بالقرب والرعاية والتميز والإكرام فالله تعالى يبُصره، وقد ورد هذا الاسم في القرآن اثنتين وأربعين مرة، منها قوله جل وعلا: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» (الإسراء:1)، وقوله سبحانه وتعالى: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ» (الحج:61).
رؤيا الغيب
والبصير هو الذي يرى ما لا يراه غيره، فهو يبصر جميع الموجودات في عالم الغيب والشهادة، وهو الذي يرى الأشياء كلها ظهرت أو خفيت، دقت أو عظمت، وهو الذي يبصر خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
وفي ذلك يقول الإمام السعدي رحمه الله: "البصير الذي يبصر كل شيء وإن دق وصغر، فيبصر دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، ويبصر ما تحت الأرضين السبع، كما يبصر ما فوق السموات السبع. وأيضًا سميع بصير بمن يستحق الجزاء بحسب حكمته، والمعنى الأخير يرجع إلى الحكمة"، وهو أيضًا كما يقول الشاعر: «وهو البصيرُ يَرَى دبيبَ النَّملةِ *** السـوداءِ تحت الصَّخرِ والصَّوَّانِ ويَرَى مجاري القوت في أعضائِها *** ويَرَى عُروقَ بَيَاضِها بعيانِ ويَرَى خياناتِ العيونِ بلْحظِها *** ويَرَى كذلكَ تقلُّبَ الأجْفَانِ».
اقرأ أيضا:
"إلي مثواه الأخيرة " خطأ شرعي فتجنبه ..لهذه الأسبابنظرات الكرم
فالله تعالى هو البصير، الذي ينظر إلى عباده المؤمنين، بكرمه ورحمته، ويمن عليهم بنعمته وجنته، ويزيدهم كرمًا بلقائه ورؤيته، لكنه لا ينظر إلى الكافرين، وهي أشد العقوبات على الإطلاق، كونهم مخلدون في العذاب، ومحجوبون عن رؤيته، كما قال تعالى: «كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ» (المطففين:15)، وقال أيضًا سبحانه وتعالى: «أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ الله وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (آل عمران:77).
فكما لم تبصر قلوبهم، عوقبوا بجنس عملهم بأن حجبوا عن ربهم في الآخرة، وكم من آيات ونذر يرسلها إلينا ربنا عز وجل، ونحن عنها غافلون، إذ أنه بعلمنا أن الله هو (البصير)، تلزمنا بضرورة الحياء من الله عز وجل، قال تعالى: «وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا» (الإسراء:17)، فمن علم أن ربه بصير مطلع عليه، استحى أن يراه على معصية أو في ما لا يحب.