ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يسأل عن حكم صلاة من يقف وحده منفردًا خلف الصفوف ولا يقف في صفوف الجماعة أثناء الصلاة؟ .
وأجاب الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الديار المصرية بأن صلاةُ المنفرد خلف الصف الذي لم يكتمل لعذر صحيحة شرعًا، فإن كان لغير عذر صحّت مع الكراهة، مع حصول ثواب الجماعة للمصلّي على كل حال، ويستحب له أن يدخل في الصف خروجًا من خلاف فقهاء الحنابلة الذين يرون بطلان صلاته.
وقال مفتي الجمهورية إن صلاة الجماعة لها فضل عظيم؛ فهي أفضل من صلاة الفرد كما ورد في "صحيح البخاري": عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صلاة الجماعة تَفْضُل صلاة الفَذِّ بخمس وعشرين درجة»، وفي روايةٍ له أيضًا بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفَذِّ بسبع وعشرين درجة»، والفَّذُّ، أي: الفرد.
وقد ذَكَر العلماء أَنَّ صلاة الجماعة هي شعار الإسلام؛ والأصل في صلاة الجماعة أن يكون المأمومون صفوفًا متراصة تامة غير منقوصةٍ، وأَنْ لا يُشرع في صفٍّ حتى يَتم الذي قبله، فيبدأ بالصف الأول ثم الذي يليه، وهكذا إلى آخر الصفوف؛ فقد روى الإمام أبو داود في "سننه" عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَتِمُّوا الصفَّ الـمُقدَّم، ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِن نَقْصٍ فَليكُن فِي الصفِّ المؤخَّرِ».
فالمفهوم من الحديث أنَّه لا يُشرع في إنشاء صَفٍّ حتى يُتِمَّ ما قبله، فَيَبْدَأُ بإتمام الصَّفِّ الأول ثم الذي يَلِيهِ، وهكذا إلى آخر الصُّفُوفِ؛ قال البدر العيني في "شرحه على سنن أبي داود" (3/ 220-221، ط. مكتبة الرشد): [قوله: «فما كان من نقص»، يعني: فالذي كان من الصف من نقصٍ فليكن ذلك النقص في الصف الأخير، والقصدُ من ذلك: أن لا يخلى موضع من الصف الأول مهما أمكن، وكذلك من الثاني والثالث وهلم جرا إلى أن ينتهي وتتكمل الصفوف] اهـ.
اقرأ أيضا:
فرض غرامة على المشتري الذي يتأخر فى السداد.. هل يجوز؟وقد اختلف الفقهاء في صحة صلاة المنفرد خلف الصف؛ فذهب فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية إلى أَنَّ المصليَ إذا انفرد خلف الصف لتَعذُّر الدخول فيه؛ صَحَّت صلاته بغير كراهةٍ، وإذا انفرد خلف الصف مع تَمكُّنه من الدخول فيه صحت صلاته مع الكراهة، ويحصل له ثواب الجماعة على كل حالٍ.
قال الإمام السرخسي في "المبسوط" (1/ 192-193، ط. دار المعرفة): [وإذا انفرد المصلي خلف الإمام عن الصف لم تفسد صلاته.. ولنا: حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: «فأقامني واليتيم من ورائي وأمي أم سليم وراءنا»؛ فقد جَوَّز اقتداءها وهي منفردة خلف الصف.. وأنَّ أبا بكرة رضي الله عنه، دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راكع فكبر وركع ثم دَبَّ حتى لصق بالصف، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صلاته قال: «زَادَكَ الله حِرْصًا ولا تَعُدْ»، أو قال: «لا تُعِدْ».. ولكن الأولى عندنا أن يختلط بالصف إن وجد فرجة] اهـ.
وقال الشيخ الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 334، ط. دار الفكر): [(و) جاز (صلاة منفرد خلف صف) إن تَعسَّر عليه الدخول فيه، وإلَّا كُرِه، ويحصل له فضل الجماعة مطلقًا] اهـ.
وذهب فقهاء الحنابلة إلى أَنَّ المنفرد خلف الصف إذا صَلَّى ركعة كاملة على هذه الحالة لم تصح صلاته.
قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (2/ 155، ط. مكتبة القاهرة): [(ومن صلَّى خلف الصف وَحْدَهُ، أو قام بجنب الإمام عن يساره، أعاد الصلاة) وجملته: أَنَّ من صلى وَحْدَهُ ركعة كاملة لم تصح صلاته، وهذا قول النخعي، والحكم، والحسن بن صالح، وإسحاق، وابن المنذر] اهـ.
واستدل الحنابلة على قولهم بحديث وابصة بن معبد رضي الله عنه "أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد" رواه أحمد وأبو داود.
وفي لفظٍ: سُئِل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن رجل صَلَّى وراء الصفوف وحده، قال: «يُعِيدُ الصلاة» رواه أحمد.
وعن علي بن شيبان رضي الله عنه: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلًا يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل، فقال له: «اسْتَقْبِلْ صَلَاتَكَ، فَلَا صَلَاةَ لمنفَرِدٍ خَلْفَ الصَفِّ» رواه أحمد وابن ماجه.
فالأحاديث تدل بظاهر نصها على بطلان صلاة المنفرد خلف الصف في الجماعة، لكن أجاب مَن صحَّح صلاة المنفرد خلف الصف لغير عذر على استدلال الحنابلة بهذه الأحاديث بأنَّ المراد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَفِّ»، المراد به نفي الكمال لا نفي الصحة؛ كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا صَلَاةَ لجَارِ المَسْجِدِ إِلَّا ِفي المَسْجِدِ» رواه الحاكم في "المستدرك".
وأَنَّ الأمر بالإعادة في حديث وابصة رضي الله عنه شاذ، ولو ثَبت؛ فيحمل على أنه كان بينه وبين الإمام ما يمنع الاقتداء، أو يحمل على الاستحباب؛ جمعًا بين هذا الحديث وحديث أبي بكرة رضي الله عنه.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (1/ 192-193): [وتأويل الحديث نفي الكمال لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا صَلَاةَ لِجارِ المَسْجِدِ إِلَّا ِفي المَسْجِدِ»، والأمر بالإعادة شاذ، ولو ثبت فيحتمل أنه كان بينه وبين الإمام ما يمنع الاقتداء، وفي الحديث ما يدل عليه] اهـ.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فصلاة المنفرد خلف الصف الذي فيه فُرْجة، صحيحة مع الكراهة، ولا يمنعه ذلك من ثواب الجماعة، ويستحب له أن يدخل في الصف خروجًا من خلاف فقهاء الحنابلة الذين يرون بطلان صلاته.