في الأوقات الحالكة نحتاج بشدة لكل إنسان يتصدق علينا من وقتهن ويسمع إلينا ويجبر خاطرنا بطيب كلامه، وحسن لسانه ونصحه، وتذكيرنا بالله عز وجل، فالكلمة الطيبة كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم صدقة، وابتسامتك في وجه أخيك صدقة، وما أحوجنا في هذه الأيام لهذه الصدقة الغائبة، التي حلت مكانها عبس الوجوه، وحدة اللسان، فأصبح الأخ لا يطيق كلمة من أخيه، ولا يقبل أن يدخر لأخرته كلمة طيبة تدخله الجنة.
قد يكتفي المرء في مصيبته بمن يتصدق عليه بهذه الصدقة البسيطة، من قول له كلمة تطكيب خاطره وتمسح دمعته، فالكمة الطيبة تبر القلوب المنكسرة وتضمد جراح القلوب المنهكة، ولا يتصدق بهذه الكلمة الطيبة إلا أصحاب القلوب النقية والفطرة السليمة، فقد خلقنا الله سبحانه وتعالى لنكون عونًا لبعضنا البعض وأن نعمل الإحسان فيما بيننا من علاقات.
وقد جبر الله عز وجل خاطر نبيه حينما وجه المشركون أذيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾، فرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أحبَّ مكةَ التي وُلِد فيها ونشأ، أُخْرِجَ منها ظُلْمًا، فاحتاج في هذا الموقف الصعب وهذا الفِراق الأليم – إلى شيء من المواساة والصبر، فأنزل الله تعالى له قرآنًا مؤكَّدًا بقسمٍ أن الذي فرض عليك القرآن، وأرسَلك رسولًا، وأمرَك بتبليغ شرعه، سيردُّك إلى موطنك مكة عزيزًا منتصرًا، وهذا ما حصَل.
وواسى الله عز وجل قلوب الفقراء واليتامي، فجعل لهم نصيبا من قسمة الميراث، قال تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}.
وقال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}.
كان من توجيهات الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم، أن يكرم اليتيم فكما كنت يتيماً يا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فآواك الله، فلا تقهر اليتيم، ولا تذله، بل: طيب خاطره، وأحسن إليه، وتلطف به.
ونهى الله عز وجل عن نهر الفقراء وأمر بالتلطف معهم، وتطييب خاطرهم، حتى لا يذوقوا ذل النهر مع ذل السؤال.
بل إن الله سبحانه وتعالى عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم، في قصة الأعمى التي ودر ذكرها في سورة عبس في قوله تعالى :”عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى”.
والقصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشغولا في حديثه مع المشركين يحاول هدايتهم، فجاءه ابن أم مكتوم يسأله في أمور دينه فأعرض عنه، فكان الأعمى يلح في سؤال رسول الله دون أن يعلم انشغاله عنه بآخرين وقد ظهر على وجه النبي الكريم العبوس كما جاء في القرآن الكريم، لتنزل هذه الآيات كعتاب للنبي صلى الله عليه وسلم لإعراضه عن الأعمى وجبر لهذا الرجل الذي حرم من نعم البصر، وما أنزل المولى عز وجل هذه الآيات إلا موعظةً وعبرةً للعالمين.
فضل جبر القلوب
جبر القلوب والخواطر صفة إنسانية تدل على الإحسان، وخلق ديني عظيم، تدل على سلامة النفس والفطرة ونقاء الروح والإيمانه بالله، فلا يمكن أن يصدر من صاحب النفس الطيبة والأخلاق الحسنة، وجبر القلوب هو سر سعادة البشرية، فبالرغم من بساطة الكلمة، إلا أن أثرها عميق على النفوس فمجرد ابتسامة صغيرة كفيلة بإدخال السرور على قلب حزين، وكلمة طيبة صادقة كافية لإسعاد قلب مكسور.
وجبر القلوب هو تخفيف حزن وهم البائسين، وطمأنة قلوب الخائفين، والتعامل مع الناس برفق، فلا تنطق ولا تفعل سوى ما يرضي رب العالمين، ومساعدة المحتاجين وجبر الخواطر ينبغي أن يكون حاضرًا في أذهاننا في كل وقت وحين ليشمل كافة تعاملاتنا مع الآخرين.
اقرأ أيضا:
الامتحان الأصعب.. 3 أسئلة تحصل علمها في الدنيا لتجيب عنها في القبر