كعادته، يستيقظ قبل الفجر، ليصلي قيام الليل، يتلو القرآن بصوت عال، فيتغلغل صداه إلى قلوب من يسمعه من أهل بيته، كان يسمعونه وهو يناجي الله في خلوته، في ذلك الوقت الذي يستحب فيه الدعاء، ما طلب شيء من الله إلا أعطاه إياه، لم تشغله الماديات على الاطلاق، فقد كان دعاءه المفضل: "اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينًا وأحشرني في زمرة المساكين".

حفظ القرآن في سن مبكرة 

الشيخ عبد العظيم زاهر من مواليد 1904 بقرية "مُجُول" بمحافظة القليوبية، أحد أعلام قراء القرآن الكريم في مصر، أتم حفظ القرآن الكريم في سن الثامنة، ثم درس القراءات على يد الشيخ خليل الجنايني، قبل أن يلتحق بالإذاعة سنة 1936، وتم تعيينه قارئًا بمسجد محمد على عام 1942 ثم بمسجد السيدة زينب عام 1956 ثم مسجد صلاح الدين بالقلعة.
وقد زامل ورافق، الشيخ محمد رفعت طوال طريق القرآن، وتأثر به الشيخ أبوالعينين شعيشع ووصفه بأنه "مزمار من مزامير آل داوود"، أما الشيخ الكبير علي محمود فقال عنه إنه لم يخطئ قط.
عرف بصاحب الصوت الذهبي لقراءته المميزة التي تدخل إلى القلوب مباشرة، منح صوته وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1991، خلدت سيرته الذاتية ضمن موسوعة عظماء القرن العشرين، وأصدرت إمارة عجمان طابعًا بريديًا يحمل صورته تكريمًا له.

يقرأ القرآن لجارته المسيحية 

في أحد الأيام، طلبت منه جارته المسيحية فى القرية، أن يقرأ لها سورة "مريم"، فلم يتأخر عن إجابة طلبها، وكانت زوجته تقوم بإعداد بعض الأصناف من الأطعمة وتقدمها هدية لجيرانه، وهو ما علّمه لأبنائه الثمانية، وهم: الدكتور حسين زاهر أستاذ الكيمياء العضوية بجامعة عين شمس، والمهندس صلاح زاهر، والمهندس حسام الدين زاهر، والمهندس طلعت زاهر، والمهندس شمس الدين زاهر، والمهندسة علية زاهر، والمهندس عز العرب زاهر، والمهندس عصام الدين زاهر، ودكتور سمير زاهر، ورشيدة زاهر، وقوت القلوب زاهر، أن يحبوا أهل قريتهم، ويبروهم.
لدرجة أنه في أحد الأيام الممطرة، تعطلت سيارته بسبب الطين، فخرج الفلاحون من الأرض، وأقسموا أن يرفعوا السيارة والشيخ بداخلها حتى خرجت، وعندما دمرت الدودة محصول القطن قام بجمع الفلاحين وأبلغهم بتنازله عن إيجار الأراضي وأعلن مساندته لهم، وذات مرة ماتت "جاموسة" أحد الفلاحين، وكانت رأس ماله الوحيد، فقام الشيخ بشراء أخرى له.
تقول ابنته الدكتورة هانم عبدالعظيم زاهر، وكيل أول وزارة الصحة سابقًا، الخبيرة بمنظمة الصحة العالمية وعضو اللجنة الفنية بالصندوق الدولي بجنيف: "تزوج والدي من والدتي وهي من قرية مجول أيضًا كان يجمع بينهما حب شديد للغاية.. كان يتقي الله في زوجته.. كان دائمًا يرى أن الزوجة لها قدسية خاصة يجب احترامها وأن تكون رغباتها مجابة".
وكان رحمه الله شديد الحرص على أن يصلي بأبنائه جماعة ومن أهم صفاته أيضًا البساطة، إلا أنه مع ذلك، كان يهتم بالإناقة فكان يحب ارتداء جلبابًا وعباءة وطاقية ناصعي البياض، وفي خارج المنزل يحرص على ارتداء الجبة و"الكاكولا" والعمة التي كانت تأخذ منه وقتًا طويلاً لإعدادها.

اقرأ أيضا:

أبو بكر "قلب الأمة الأكبر" بعد النبي و" أمير الشاكرين"

خلوة مع القرآن 

تصف ابنة الشيخ، والدها بأنه رجل "بتوتي" لا يحب الخروج سوى للإذاعة أو السهرات أو الافتتاحات، وكان يحلو له الخلوة في جناح مستقل بالفيلا يتلو فيه القرآن ويناجي ربه وكان أريج صوته يعطر المكان، حيث كان يتعايش مع آيات القرآن، فيتعايش معه من يسمعه وينفعل بما يقول، حتى كأنه يفسر القرآن تفسيرًا، فما أجمله وهو يقرأ "إن كل شئ خلقناه بقدر" "وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرًا"، وقتها تتمنى أن تكون مع من يذهب إلى الجنة.
والعجيب - كما تروي ابنته - أن "الجنود الإنجليز يحبون سماع صوته بالرغم من عدم معرفتهم بما يقول إلا أن صوته الذهب كان ينفذ إلى قلوبهم".
وقد بادرت أسرته بأن أوقفت ما يقرب من فدان مباني في قرية مجول لإنشاء مسجد على مساحة 720 مترًا، وإنشاء مبنى خدمي، لمساعدة الأيتام والأسر الفقيرة شهريًا وتجهيز العرائس الأيتام وخدمات موسمية في شهر رمضان، والمولد النبوي، وعيد الأضحى المبارك، وتنظيم قوافل طبية متكاملة بكل التخصصات بأجر رمزي وتوزيع العلاج مجانًا، إلى جانب برامج لتنمية مهارات "التفصيل الخياطة التطريز التريكو الكورشيه" ومحو الأمية وتنظيم دورات للكمبيوتر وتقوية اللغة العربية.
كذلك عقد ندوات طبية ودينية واجتماعية، من خلال لقاء شهري بمقر الجمعية، وتحفيظ القرآن وتجويده من خلال ثلاث مقارئ بالزيتون ومدينة نصر وقرية مجول. ويتم تقديم جائزة باسم الشيخ لمن يختم القرآن الكريم في مقرأته.