يعيش كثير من الناس حالة داخلية من الهموم والمشاكل التي لا تنقضي، نتيجة التفكير الزائد في سبل المعيشة وتأمين مستقبل الأبناء، فضلاً عن طموح الكثير من البشر في الغنى وتحصيل الأموال والطموح، الأمر الذي يرجع بمردود عكسي على الرضا بما قدر الله عز وجل، وحالة السلام النفسي والاطمئنان القلبي، التي ينعم بها الإنسان المؤمن، ليكون البديل هو حالة من الارتباك والتوتر، والانفعال والغضب، فكيف يجد الإنسان ضالته من الاستقرار والرضا؟.
هل تذوقت حلاوة الإيمان؟
الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم، ولكي تعرف حلاوة الإيمان يجب عليك تدريب نفسك على الرضا، والسكينة القلبيّة، فهذان المسلكان هما الوحيدان اللذان يكفلان لك راحة البال والاستقرار والسعادة، لأن التفكير في المشاكل بشكل مستمر من شأنه أن يدخل الشقاء على القلب ويمنع الرضا والتسليم بقدر الله، فالرضا هو الوحيد الذي يحقق السعادة بدون أرَق ولا قلق، ولا ضِيق ولا تضيِيق، بل سعَةٌ ورحمة ورضًا ونعمة، (ذالِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) النساء:70.
والباحث في شئون الحياة، يجِد كثير من الناس تعيش ألوانًا من العناء والشقاء، رغم ما في يديها من الأمن والصحة والقوت فينعكس عليها بالغضب والشّكوى، ويعصف بالأمانِ والاطمِئنان، ويُفقِد الراحةَ والسعادة، في الوقت الذي تجد فيه أناس ربما لا يملكون دينارا ولا درهما وقد يكون أحدهم مريضا بمرض شديد يهدد حياته، ومع ذلك تجده يسلم أمره لله، ويعرف أن لكل بداية نهاية، وأن أمره كله موكل للهن فتجد الرضا ينعكس عليه بالسعادة، وينعم بهنيءِ العيش وفُيوض الخَير، رغم ما يمر به.
والذي يكسشف الفارق بين الفريقين، حلاوةُ الإيمان، فقد جاء في حديث العبّاس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ثلاثًا مَن كنّ فيه وجَد حلاوةَ الإيمان: أن يكونَ الله ورسوله أحبَّ إليه ممّا سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبّه إلاّ الله، وأن يكرهَ أن يعودَ في الكفر بعد إذ أنقذَه الله منه كما يكرَه أن يقذَف في النّار".
فحلاوة الإيمان طَعمها يفوق كلَّ شيء، وهي حلاوةٌ داخليّة في نفسٍ رضيّة وسكينة قلبيّة، والإيمانُ بالله هو سكينةُ النّفس وهداية القلب، وهو منارُ السّالكين وأمَل اليائسين وأمانُ الخائِفين ونُصرة المجاهدِين، وهو بشرَى المتّقين ومِنحَة المحرومين.
وأوّلُ منافِذ الوصولِ إلى حلاوةِ الإيمان وطَعم السّعادة هو الرّضَا بالله، فهو القائمُ على كلّ نفسٍ بما كسبَت، رحمنُ الدنيا والآخرة ورحيمُهما، قيّوم السماوات والأرضين، خالق الموتِ والحياة، مُسْبغُ النِّعم، مجيب المضطرّ إذا دعاه، وكاشف السّوء (أَعْطَىا كُلَّ شَىء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه:50]، سوّى الإنسان، ونفخ فيه من روحِه، أطعمَه من جوع، وكسَاه من عُري، وآمنه من خَوف، وهداه مِن الضّلالة، وعلّمه من بَعد جَهالة.
ولكي يتحقق الإيمان وتتذوق حلاوته يجب عليك ان تفعل الأتي:
1/الاستسلام لله عز وجل بكامل قوتك ومشاعرك إيمانا بأنه المدبر الواحد لا شريك له في أمرك.
2/العمل على مرضاة الله والانقياد إليه بالعبادة
3/التجرد عن الأهواء والرغبات، فتعبدُه سبحانَه وترجوه وتخافه وتتبتّل إليه، بِيده الأمرُ كلّه، وإليه يُرجَع الأمر كلّه.
4/الرضًا بالله واليقين بأن تمد يديك متضرعا مخلِصًا: "اللهمّ إنّي أعوذ برضاك من سخَطك، وبمعافاتك مِن عقوبتِك، وبك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنتَ كما أثنيتَ على نفسِك".
5/ الرّضا بالإسلام دينًا، دينٌ من عندِ الله، أنزله على رسوله، ورضيَه لعبادِه، ولا يقبَل دينًا سواه.
6/الرّضا بمحمّد صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِه رسولاً ونبيًّا، فهو المرشد النّاصح الأمين والرّحمة المهداة والأسوة الحسَنَة عليه الصلاة والسلام، فلا ينازِعه بشرٌ في طاعة، ولا يزاحِمه أحدٌ في حُكم، (فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىا يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء:65].
7/الاطمئنان بقدر الله خيره وشره، (يـاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِى إِلَى رَبّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) [الفجر:27، 28]، (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مّن رَّبّهِ) [الزمر:22].
اقرأ أيضا:
الإيثار.. إحساس بالآخرين وعطاء بلا حدودثمرات حلاوة الإيمان
الإيمانِ الرّاسخ يحرر المؤمن من الخوفِ والجُبن والجزَع والضَّجر، (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَـانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:51]، لا مانعَ لما أعطى ربُّنا، ولا معطيَ لما منَع، ولا ينفع ذا الجدِّ منه الجدّ، وربّك يبسط الرزقَ لمن يشاء ويقدر.
الإيمان يجعل النفس مملوؤة بالرضا، إذا أُعطي تقبَّل وشكر، وإذا مُنع رضِي وصبَر، وإذا أمِر ائتمَر، وإذا نُهِي ازدجَر، وإذا أذنَب استغفَر.
الإيمان ينفك بالمؤمن عن رِقَّة الهوَى ونزعات النّفس الأمّارةِ بالسّوء وهمزاتِ الشياطين وفِتن الدّنيا بنسائِها ومالِها وقناطيرها ومراكبها وسائر مشتهياتِها وزينتِها.
الإيمان هو سر السعادة وحلاوة مِلؤها القناعة بعيدة عن الشحِّ والتّقتير والبخل والإمساك، وينطلِق في معانِي الكرمِ والإيثار والعطاء.
الإيمان يحقق السكينة والاستقرار وينجي من الجشَع والجزَع، ومن ثَمّ تتنزّل السّكينة على القلوب، وتغشى الرحمةُ النّفوس، (أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:157]، (أُوْلَـئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الإيمَـانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ) [المجادلة:22].
ورسولك محمّد النبيّ الأميّ العربيّ الهاشميّ، وعلى آله الطيّبين الطّاهرين..