يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا» (الكهف 10).
لماذا كان الأمر الوحيد الذي طلبه أهل الكهف هو الرشد؟، إذ لم يطلبوا نهائيًا النصر على عدوهم، ولا الظفر منه، ولا حتى التمكين في الأرض، وهي أمور كانوا موقنين تمامًا في أن الله عز وجل سيمنحها إياهم لاشك.
بداية علينا أن نتذكر أن الجن طلبوا من ربهم حينما سمعوا القرآن أول مرة أيضًا الرشد، قال تعالى: « قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا» (الجن ٢)، وأيضًا في قوله تعالى : «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ».
ما هو الرشد؟
الرشد يعرفه العلماء بأنه إصابة وجه الحقيقة، والسداد، والسير في الاتجاه الصحيح، ومن ثم فإنه إذا أرشدك الله، فاعلم يقينًا أنك أوتيت خيرا ًعظيما، ليس هذا بحسب وإنما أيضًا بوركت خطواتك، ولذلك يوصينا الله سبحانه وتعالى أن نردد دائماً: «وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا»، وذلك لأن الرشد يختصر المراحل ، ويختزل الكثير من المعاناة ، وتتعاظم النتائج، كل ذلك فقط حين يكون اللّه لك (ولياً مرشدا ً).
وهكذا ترى أنه حين بلغ نبي الله موسى عليه السلام، الرجل الصالح لم يطلب منه إلا أمرا ًواحدا ً وهو : «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا» (الكهف 66)، فعندما يهيئ الله سبحانه وتعالى أسباب الرشد لنا، فإنه قد هيأ لنا أسباب الوصول للنجاح الدنيوي والفلاح الأخروي.
اقرأ أيضا:
"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"؟.. لن تصدق ما فعله الصحابة عند سماع هذه الآية؟ (الشعراوي يجيب)الكنز الحقيقي
الرشد هو الكنز الحقيقي، وعلى كل مسلم أن يطلبه من الله عز وجل ليل نهار، فبالرشد ينشرح الصدر للهدى، وتحفز النفس للطاعة، لكنها صفة يتفضل بها العليم الحكيم على من سبقت له منه الحسنى، حين يحبب إليه الإيمان، ويزينه في قلبه، ويبغض إليه الكفر والفسوق والعصيان.
قال الله سبحانه وتعالى: « وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ » (الحجرات: 7، 8).