قال أحد جلساء الإمام سفيان بن عيينة: كنا عند سفيان بن عيينة وهو يحدثنا إذ التفت إلى شيخ جنبه فقال: يا أبا عبد الله، حدثنا حديث الحية.
فقال الشيخ: خرج رجل يدعى "حميري بن عبد الله" إلى مقصد له، فلما أقفرت به الأرض انسابت حية بين قوائم دابته فقامت على ذنبها.
وقالت: آوني آواك الله في ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله، فقال لها: ومم آويك؟ قالت: من عدو لي قد غشيني يريد أن يقطعني إربا إربا، قال لها: وأين آويك؟
قالت: في جوفك إن أردت المعروف، قال لها: من أنت؟ قالت: من أهل قول لا اله إلا الله، قال لها: فهاك جوفي، فصيرّها في جوفه.
قال: فإذا هو بفتى قد أقبل ومعه سيف له وقد وضعه على عاتقه، فقال له: أيها الشيخ أين الحية التي استظلت بكنفك وأناخت بفنائك؟
قال: ما رأيت شيئا، قال: عظمت كلمة خرجت من فيك، قال: ما جاء منك أعظم، تراني أقول ما رأيت شيئا، وتقول لي مثل هذا؟
فولى الفتى مدبرا فلما توارى قالت الحية: يا عبد الله انظر هل يراه بصرك أو يأخذه طرفك؟
قال: ما أرى شيئا، قالت: اختر مني إحدى منزلتين إما أن أخرم قلبك ثقبا فأجعله رميما أو أفتت كبدك فأخرجه من أسفلك قطعا، قال لها: والله ما كافأتني يرحمك الله، قالت له: فما اصطناعك بالمعروف إلى من لا يعرف ما هو، لولا جهلك، وقد عرفت العداوة التي كانت بيني وبين أبيك قبل، وقد علمت أنه ليس عندي مال أعطيكه ولا دابة أحملك عليها.
قال: أردت المعروف، قال: فالتفت فإذا بفيء جبل قال: فإن كان لا بد ففي هذا الجبل، ثم نزل يمشي فإذا هو في الجبل بفتى قاعد كأن وجهه القمر ليلة البدر.
فقال له الفتى: يا شيخ مالي أراك مستبسلا للموت آيسا من الحياة؟ فقال: من عدو في جوفي آويته من عدوه فلما صار في جوفي وقص عليه القصة.
فقال له الفتى أتاك الغوث، ثم ضرب بيده إلى جوفه، فأخرج منه شيئا أطعمه إياه فاختلجت وجنتاه، ثم أطعمه ثانية فوجدته تقيء في بطنه، ثم أطعمه الثالثة فرمى بالحية من أسفله قطعا.
فقال له الرجل: من أنت رحمك الله، فما أحد علىّ أعظم منة منك؟ قال له: أو ما تعرفني أنا المعروف وأنه اضطربت ملائكة سماء سماء من خذلان الحية إياك فأوحى الله عز وجل إلي أن يا معروف أغث عبدي، وقل له: أردت شيئا لوجهي فآتيتك ثواب الصالحين، وأعقبتك عقبى المحسنين ونجيتك من عدوك.
اقرأ أيضا:
خباب بن الأرت سادس من أسلموا.. هكذا صبر ولم يعط الكفار ما سألوا