دائمًا ما يهمل الإنسان في استثمار الدقائق والساعات التي تمر أمام عينه دون أي استفادة منها، حتى يضيع العام والعامين ويضيع العمر كله، وقد خرج هذا الإنسان من الدنيا بلا شيئ يتزود به أمام الله يوم القيامة، وهو الأمر الذي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم في أغلب أحاديثه النبوية، حرصا على نجاة المؤمن .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال سبعًا، هل تنتظرون إلا فقراً مُنسيًا، أو غنًى مُطغيًا، أو مرضاً مُفسدًا، أو هَرَماً مُفنِّدًا، أو موتاً مُجهِزًا، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة، والساعة أدهى وأمر؟".
سبعة أشياء
يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من فوات الأوان، علما منه بأن الوقت كالسيف على رقاب المؤمنين إذا لم يستغلونه حق استغلاله قطعوا رقابهم تحت حده، فلا سبيل إلا المبادرة أي المسارعة للخير قبل أن تضيع الفرصة تلو الفرصة، وهو ما جاء في قوله تعالى بسورة آل عمران: " ۞ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)".
والأية معناها سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة، وتتسق مع ما جاء به الحديث "سارعوا قبل أن ينزل بكم واحد من هذه الأمور المذكورة، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، سبعة أشياء، فبادروا بالأعمال وقت إمكان الفرصة، قبل أن يدهمكم ما لا قبل لكم به، فيحول بينكم وبين العمل".
فماهي هذه المصائب السبعة التي تحول بين العبد وبين التوبة؟
1/فقرا منسيا
يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من سبعة قال فيها: ، هل تنتظرون إلا فقراً مُنسيًا، أو غنًى مُطغيًا، أو مرضاً مُفسدًا، أو هَرَماً مُفنِّدًا، أو موتاً مُجهِزًا، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة، والساعة أدهى وأمر؟".
هل تنتظرون إلا فقراً مُنسيًا، فالإنسان إذا افتقر فقراً شديداً فإن هذا الفقر يُنسيه، يشتغل قلبه بلقمة العيش أين يجدها، فلا يتمكن من كثير من الأعمال الصالحة، ويصبح كل همه التغلب على مشكلات الحياة، ومصاعبها، واحتياجات أبنائه، ونفقات تعليمهم، فلا يتمكن من كثير من لذاته؛ لأنه مشغول بتوفير شيء يسد جوعته.
كان الإمام الشافعي يقول: لو كُلِّفت بشراء بصلة لما حفظت مسألة، أو ما حفظت مسألة.
فحينما تنشغل بلقمة العيش، وتبحث كيف توفرها لا تجد وقتا كي تتجه فيه لعمل الخير.
2/غنى مطغيا
أو غنًى مُطغيًا، فإن الغِنى مظنة للطغيان، يقول الله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7].
فالإنسان طبيعته حينما يحصل على المال الوفير، يطغى به، إلا من عصمه الله وأعانه على نفسه، كما أن الغنى يحمل صاحبه على شيء من الفسق والبطر، والتفريط في حقوق الله والتعالي على الخلق.
اقرأ أيضا:
لحظات عصيبة.. هذا هو ما يحدث عند سكرات الموت فكيف تهونها على نفسك؟3/مرضا مفسدا
أو مرضاً مُفسدًا، يقعده على الفراش، فلا يستطيع أن يفعل الخير أو يصلي ويعتمر، ولا يستطيع أن يصوم النهار، لأنه ضعيف، حتى صيام رمضان قد لا يتمكن منه، ويمنعه الأطباء من ذلك.
4/هرما مفندا
أو هَرَماً مُفنِّدًا، لأن الإنسان إذا وصل إلى مرحلة متقدمة في العمر ودخل في مرحلة الشيخوخة، يحصل عنده شيء من الخلل في عقله، فلا يعتد برأيه، ولا بعقله، ولا بتفكيره، ولا بنظره في الأمور، نتيجة الوصول إلى مرحلة الخرف، بعدما كان قويًّا ونشيطاً، .
5/موتا مجهزا
أو موتاً مُجهِزًا، والموت المُجهِز هو الموت السريع، أو الموت المفاجئ، الذي لا تحسب له حسابا فيأخذك الله بغتة، فلا تستطيع أن تتزود من الخير، وهو بيان وتحذير شديد من أن يترك الأغنسنا نفسه لهذه الموت المفاجئ، مثل حوادث السيارات، تجد الناس في غاية القوة، والنشاط، والفتوة، والشباب، وما إلى ذلك، ولربما يكون يشرب، أو يأكل ويتحدث مع من حوله، وبلحظات أقل من الدقيقة تحول كل شيء إلى أشلاء.
فالموت المُجهِز لا يسعه الوقت أن يتوب، ويتصدق، وكم منا جاءه هذا الموت المُجهِز وهو في حال المعصية بالله .
6/الدجال
الدجال، شر غائب ينتظر، إذا خرج تخرج معه فتنة عظيمة جدًّا، يمر بالخَرِبة فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ويمر على الأرض المجدبة، ويدعوهم يقول لهم: إنه هو إلههم، فإن تبعوه أخصبت أرضهم، وأنبتت، وعادت إليهم سارحتهم ممتدة الخواصر ممتلئة الضروع، وإذا كذبوه أمحلتْ أرضهم وهلكت داوبهم.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن الله لم يبعث نبيًّا إلا حذر أمته الدجال[3].
7/الساعة والساعة ادهى وأمر
قال النبي صلى الله عليه وسلم: أو الساعة، والساعة أدهى وأمر؟، الساعة أشد من هذا كله، يقول الله تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [لحـج:2].
فإذا خرجت الشمس من مغربها فعند ذلك "لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا "[الأنعام:158].
فعلى الإنسان أن يبادر إلى الأعمال الصالحة قبل فوات الأوان قبل أن ينزل به ما يحول بينه وبين العمل، فهذا هو المراد.