ليس هناك أسعد من بعض الناس حينما يسمع عن فضيحة غيره من الجيران أو الزملاء، فقد يعتبره نصرا مؤزرا له، بل يكفيه أن يسمع فضيحة غيره ولا يسمع نجاحه هو شخصيا في حياته، فتشعر أن نجاحه الحقيقي هو الاستمتاع بالخوض في أعراض الناس، فقط.
غير أن الأكثر دهشة أنك حينما يوقع بك حظك السيئ في الحديث مع هؤلاء، قد تجده يلبس ثوب الفضيلة في الاستماع لفضائح غيره، فبعد أن يسأل ويستفسر ويخوض تجده مثل الذئب الذي يتقمس دور الواعظين، فيبادر ويقول لك: "ربنا يستر ولايا المسلمين".
هذا النوع من الإنسان لا همّ لهم إلا تتبع العورات، وهذا أبعد ما يكون عن سلوك المؤمنين ، فالمؤمن الذي إذا رأى في أخيه ما لا يسر اهتم لحاله وتأثر ودعا له بظهر الغيب، وإن وجد مجالاً نصحه برفق ولين، أما الذي يتربص بأخيه المسلم ويتتبع عورته ويتمنى ذلته ويتمنى فضيحته فهذا متوعَّد بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته" رواه أبو داوود.
وكثير من هؤلاء الذين ابتلوا بتتبع العورات تجد عندهم المصائب العظام، ويستمتع كثيرون بتتبع الفضائح مهما كانت، سواء عبر الإعلام أو من خلال أصدقاء.
فما هي الأسباب النفسية التي تجعل البشر يقومون بذلك؟
حب النميمة
العديد من الأشخاص يحبون النميمة، أو على الأقل الحديث عن آخر الأخبار السلبية المتعلقة بالأقارب أو الجيران أو زملاء الدراسة.
هذه العادة تنتشر كثيراً، لكنها تتفاوت من شخص لآخر. ويصل الأمر عند كثيرين إلى حد الاستمتاع بتتبع الفضائح، مهما كانت.
الفضائح تعزز مكانة الفرد اجتماعياً
يذكر موقع "تسايت يونغ" الألماني، أن فضائح الآخرين تكون فرصة للأفراد لتسلق السلم الاجتماعي، فمن خلال تصنيف شيء ما أو شخص ما على أنه "فاضح"، فإننا نضع أنفسنا وأفكارنا الأخلاقية في صورة أفضل، وبالتالي "نضفي الشرعية على أنفسنا".
كما أن هناك رغبة في خرق القواعد، فكل شخص يميل إلى كسر القواعد والحدود، ولكن غالباً ما يقاوم، وهذا ما يجعل من رؤية فرد ما يرتكب "فضيحة ما" متعة.
الرغبة في الاعتذار
والأكثر دهشة من ذلك، هو الرغبة في الإحساس بالقوة، فطلب أصحاب "الفضيحة" الغفران والاعتذار، يثير الشعور بالقوة والانتصار لدى الأفراد الآخرين، ما يمنح الشخص الذي لم يرتكب الفضيحة شعوراً بالتفوق ويذلّ المخالف.
الإلهاء
كما الروتين اليومي يجعل الحياة مملة في كثير من الأحيان، وحينما يقوم شخص ما بعمل لا يتفق مع المعايير المجتمعية، فهو يصبح إلهاء عن مشاكل اليوم، ويؤكد أن مشاكلنا صغيرة يمكن التحكم فيها مقارنة مع "فضائح" الآخرين الهائلة.
حكم الشرع
لا يجوز للمسلم أن يتتبع عورات الآخرين أو يخوض في أعراضهم، أو يشهّر بهم وبذكر أسمائهم.
فتتبع أخبار الناس والتجسس عليهم محرم ، كما قال الله سبحانه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).
وصح عند الترمذي وغيره عن أبي برزة وابن عمر (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صعد المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال يا معشر من قد أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله، قال: ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.
وقال عليه الصلاة والسلام في خطبته في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا".
وصح عند أحمد وأبي داود عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق" .
فالتشهير أمر خطير وهو عقوبة مرجعها إلى الشرع، وليس لكل أحد، فلسنا محققين ولا قضاة، فليحفظ كل منا لسانه، وليعلم أن الله لن يسأله لماذا لم تتكلم، إنما سيسأله بماذا تكلمت، ولماذا اتهمت ونشرت .
فاحفظ لسانك، فإن القضية قضية دين، والمسألة مسألة حسنات وسيئات . فحافظ على دينك، وأبقِ على حسناتك. واعلم أن كلامك سيدخل معك في قبر، وستحاسب عنه يوم حشرك، ورب كلمة لا يلقي لها صاحبها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً.
يقول الشاعر:
إذَا رُمْتَ أنْ تحيَا سَلِيماً مِنَ الأذى
وَدِينُكَ مَوفُورٌ وَعِرْضَكَ صَيِّنُ
فَلاَ يَنْطِقَنْ مِنْكَ اللِسَانُ بِسَوأَةٍ
فَكُلَكَ سَواءَتُ وَلِلناسِ أَلْسُنُ
وَعَيْنُكَ إِن أَبْدَتْ إِلَيكَ مَعايباً
فَصُنْهَا وَقُلْ يَا عَيْنُ لِلناسِ أَعْيُنُ
وَعَاشِر بِمَعْروفٍ وَسَامِحْ مَنِ اْعتَدَى
وَفَارِقْ وَلَكِنْ بِالَتِي هِيَ أَحْسَنُ