عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قال: (الرُّؤْيَا ثَلاَثٌ، فَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ وَحَدِيثُ النَّفْسِ وَتَخْوِيفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا تُعْجِبُهُ فَلْيَقُصَّهَا إِنْ شَاءَ وَإِنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ وَلْيَقُمْ يُصَلِّى) رواه ابن ماجه وصححه الألبانى. فقسم لنا النبى صلى الله عليه وسلم الرؤيا إلى ثلاثة أقسام: رؤيا هى بشرى من الله تعالى، ورؤيا من الشيطان، ورؤيا يحدث بها الإنسان نفسه فيراها، ويعد هذا كل ما يراه الإنسان فى منامه:
القسم الأول: الرؤيا الصالحة
فهى من الله وهى صادقة ومبشرة، وهى بالنسبة للمؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، ومن الرؤى الصالحة رؤيا النبى صلى الله عليه وسلم منامًا؛ فعن جَابِرٍ الأَنْصَارِى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ رَآنِى فِى الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِى، فَإِنَّهُ لا يَنْبَغِى لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّلَ فِى صُورَتِى) رواه مسلم. فلا يمكن للشيطان أن يتمثل فى صفات النبى صلى الله عليه وسلم الخلقية التى كان عليها.
والرؤيا الصالحة ثلاثة أقسام:
أ-قسم ظاهر مؤول لا يحتاج إلى تعبير لأنها مفسرة وصريحة؛ فقد رأى النبى صلى الله عليه وسلم الفتح فكان كذلك، وقال الله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) (27 الفتح). فهذه الرؤيا أخبرت عن الحقيقة وهى جزء من النبوة.
ب- قسم يحتاج إلى تأويل، وهو المكنى المضمَر التى تُودع الحكمة والأنباء فى جواهر مرئياته، كرؤيا يوسف عليه السلام، وهى من أشهر الرؤى وجاءت فى قوله تعالى: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ ۞ قَالَ يَا بُنَى لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يوسف 4-5)، وهذه هى الرؤيا المضمرة التى تحتاج إلى تأويل. وهذا القسم يخضع فى تأويله ويراعى فيه اختلاف اللفظ واختلاف اللغة واختلاف الدين، كمن يرى أنه يأكل الميتة، فالميتة مال حرام وهم وغم ونكد، فذلك التأويل للمسلمين ولمن يحرم أكل الميتة، ورزق وفائدة عند من يحلل أكلها. وهذا القسم يخضع لاختلاف الزمان والمكان والصنائع (المهن) وعادات الناس وأحوالهم.
ج - الرؤيا المحذرة: وهى التى تنبه إلى خطر يهدد أو مؤثر، كرؤيا الملك التى جاءت فى قوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّى أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ) (يوسف 43). فالبقرات السمان هن السنوات الخصبة، والسنوات العجاف هن السنوات المجدبة.
اظهار أخبار متعلقة
القسم الثانى: رؤيا من الشيطان
وهى أضغاث أحلام وتخليط وتلاعب من الشيطان، ودائمًا تكون مخوفة ومحزنة كموت الرائى أو قتله لابنه أو موت أحد أبنائه أو حرق بيته والكوابيس المخيفة، فهى لا تعبَّر لأنها من الشيطان كما ورد عن جابر رضى الله عنه عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه قال له أعرابى جاءه: إنى حلمتُ أنَّ رأسى قُطِعَ فأنا أتبعُه. فزجره النبى صلى الله عليه وسلم وقال: (لا تُخبِرْ بتلَعُّبِ الشيطانِ بك فى المنامِ) رواه مسلم فى صحيحه. فهذا من لعب الشيطان ومكائده ليحزن الذين آمنوا. ومن ذلك الحلم والنجوى كما قال الله تعالى: (إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا..) (المجادلة 10). ومن تلاعب الشيطان أيضًا الاحتلام الذى يوجب الغسل، فلا يكون له تأويل، والأنبياء معصومون من ذلك لأن رؤى الأنبياء وحى من الله.
القسم الثالث : حديث النفس
وهى رؤيا يحدث بها الإنسان نفسه فيراها، كمن يكون مشغولاً بسفر فيرى أنه سافر، أو يرى النائم أنه مع من يحب قلبه، أو كالجائع يرى أنه يأكل ما لذ وطاب، أو الظمآن يرى أنه يشرب الماء، أو من يخاف من شىء فيراه، أو كمن ينام فى الشمس فيرى كأنه فى نار يحترق، أو كمن يكون مشغولاً بتجارة أو عمل فيرى فى منامه ما كان فيه يفكر، وهذا أيضًا من الأضغاث أى الأخلاط، وليس له معنى وإن لم تكن من الشيطان؛ لأن الغالب فيها أنها لا تسبب ضيقًا فى الصدر أوحزنًا، وغالبًا ما يكون ذلك بالعقل اللاواعى أو العقل الباطن، وحاصلها أنها ليست رؤيا صالحة فيها تبشير أو تحذير، وليست أيضًا من مكر الشيطان ووسوسته فيكون معها تحزين وتكدير. والرؤيا التى تكون من حديث النفس لا تأويل لها سواء سرت صاحبها أو أحزنته. والله أعلم.