خلق من الأخلاق الإسلام الراقية يبعث على حب الخير للآخرين، على بذل الخير والمعروف والإحسان لهم، وكف الأذى والسوء عنهم، من اتصف به عاش سعيدًا مرضيًّا محبوبًا، يحبه العباد، ويحبه رب العباد سبحانه، خلقٌ من أعظم الخصال، وأشرف الخلال، إنه: سلامة الصدر.
سلامة الصدر: هي نقاء القلب، وخُلوُّه من كل غلٍّ وحسد وحقد على المسلمين.
سلامة الصدر: هي صفاء القلب، وطيب النفس، وحسن السريرة.
سلامة الصدر: امتلاؤه إيمانًا ويقينًا، وتقوى ومحبة ورحمة.
والصدر السليم، والقلب السليم: هو الذي لا غشَّ فيه، ولا غلَّ فيه، ولا حقد فيه، ولا حسد فيه، ولا ضغينة فيه، ولا كراهية ولا بغضاء فيه لأحد من المسلمين.
يقول الشيخ أحمد العماري: الصدور السليمة، والقلوب السليمة، والنفوس الزكية: هي التي امتلأت بالتقوى والإيمان؛ ففاضت بالخير والإحسان، وانطبع صاحبها بكل خلق جميل، وانطوت سريرته على الصفاء والنقاء وحب الخير للآخرين، فهو من نفسه في راحة، والناس منه في سلامة.
أما صاحب القلب الخبيث والخلق الذميم، فالناس منه في بلاء، وهو من نفسه في عناء.
ويتابع قائلًا: المسلم لا يكون إلا سليمَ الصدر، طيب النفس، طاهر القلب، لا يحمل في قلبه على إخوانه سوءًا ولا ضغينة، بل يحبُّهم ويودهم، ويحب الخير لهم، حَسُنتْ سيرته لما حَسُنت سريرته؛ إذ لا تطيب السيرة إلا بصفاء السريرة؛ قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "ما أدرك عندنا مَن أدرك بكثرة نوافل الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة".
فما أحوجنا إلى صدور سليمة، وقلوب مطمئنة؛ فالقلوب هي منبع المشاعر، ومصدر العواطف، ومحرك الأخلاق، وموجه التصرفات، فإذا صلَحت صلَحت كل الأعمال والأخلاق، وإذا فسدت فسدت كل الأعمال والأخلاق؛ كما في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلَحتْ صلَح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))، وفي مسند الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنة لا يأمن جارُه بوائقَه)).
فلا يَصلُح لسكنى الجنة مَن تلوَّث قلبه بالأدران، بل مَن صفت قلوبهم وطهرت نفوسهم؛ لذا قال الله عز وجل في أهل الجنة: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47].
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على آثارهم كأحسن كوكب دري في السماء إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد، لا تباغضَ بينهم ولا تحاسد، لكل امرئ زوجتان من الحور العين، يُرَى مُخُّ سوقهن من وراء العظم واللحم)).
ويواصل الشيخ أحمد العماري في "الألوكة" فيقول: أطهر الناس قلوبًا، وأحسنهم سريرة، وأسلمهم صدورًا: أنبياء الله ورسله، الذين أحبوا الخير لأقوامهم وأممهم، وبذلوا كل غالٍ ونفيس في نصحهم وإرشادهم، وتعليمهم وهدايتهم؛ قال سبحانه عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام: ﴿ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 106 - 109].
وقال تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيم ﴾ [الصافات: 83، 84].
أما نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد منَّ الله عليه بانشراح الصدر، وسلامة القلب، وطهارة النفس؛ فقال سبحانه: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 1 - 4].
ففي سلامة الصدر: صدق الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان أسلم الناس صدرًا، وأطيبهم قلبًا، وأصفاهم سريرة، وشواهد هذا في سيرته كثيرة؛ فلقد أوذي صلى الله عليه وسلم أشدَّ ما تكون الأذيَّة في سبيل تبليغ دعوته للناس أجمعين، وما منعه أن ينتقم من أعدائه حين مكنه الله منهم إلا أنه سليم الصدر؛ يحب الخير لأمته، ويكره لها السوء والبلاء.
وفي الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء ضربه قومه فأدمَوْه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: ((اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون)).
ولقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروعَ الأمثلة في سلامة القلوب، وطهارة الصدور، فكان لهم من هذه الصفة أوفر الحظ والنصيب؛ فلقد كانوا رضي الله عنهم صفًّا واحدًا، يعطف بعضهم على بعض، ويرحم بعضهم بعضًا، ويحب بعضهم بعضًا، كما وصفهم الله جل وعلا بذلك؛ حيث قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].
ولقد كانت سلامة الصدر لدى الرعيل الأول ميزان التفاضل بينهم؛ يقول إياس بن معاوية بن قرة عن أبيه، في وصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "كان أفضلهم عندهم - يعني: الماضين - أسلمهم صدرًا، وأقلهم غِيبة".
وقال سفيان بن دينار لأبي بشر أحد السلف الصالحين: "أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيرًا، ويؤجرون كثيرًا، قال سفيان: ولِمَ ذاك؟ قال أبو بشر: لسلامة صدورهم".
وعن زيد بن أسلم أنه دخل على ابن أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقال له: ما لكَ يتهلَّلُ وجهك؟ قال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين، أما إحداهما: فكنت لا أتكلم بما لا يعنيني، وأما الأخرى: فكان قلبي للمسلمين سليمًا".
إنها قلوب تسامت عن ذاتها، وتعالت عن حظوظها، وتغلبت على نزواتها وشهواتها.
إن سلامة الصدر خَصلة من خصال البر عظيمة، غابت رسومها، واندثرت معالمها، وخَبَتْ أعلامها، حتى غدتْ عزيزة المنال، عسيرة الحصول، مع ما فيها من الفضائل والخيرات.
وينصح الشيخ أحمد العماري من أراد أن يكون سليم الصدر، سليم القلب، فليأخذ بأسباب سلامة الصدر وطهارة القلب، وهذه بعضها:
• التعلق بالله سبحانه وحده دون أحد سواه؛ فهو مصرف القلوب، ومدبر الأمور.
• طاعته والاستجابة لأمره؛ قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون ﴾ [الأنفال: 24]، وقال عز وجل: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125].
• الإقبال على الله بالتضرع والدعاء: فمن أسباب سلامة الصدر: أن تلهج بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يجعل قلبك سليمًا من الغِلِّ والضغينة والحقد والحسد؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
• الإقبال على كتاب الله الذي أنزله شفاءً لما في الصدور؛ قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، فكلما أقبل العبدُ على كتاب الله - تلاوة وحفظًا، وتدبرًا وفهمًا - شفي صدره، وسلِم قلبه.
إفشاء السلام بين المسلمين: فالسلام عنوان المحبة والإخاء، وبرهان الصفاء والنقاء؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أولا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).
الإحسان إلى الفقراء والمحتاجين؛ فقد قال الله عز وجل: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]، وقال سبحانه: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾ [الليل: 17، 18]؛ أي: يتطهر مِن الذنوب والعيوب.
إصلاح ذات البَيْن: فلا ينبغي ترك المشاكل تتكاثر، والصراعات تتفاقم، والعداوات تدوم حتى توغر الصدور، وتملأ القلوب حقدًا وكراهية وبغضاءَ؛ ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ [الحجرات: 10].
إنَّ القلوبَ إذا تنافَر وُدُّها
مِثلُ الزجاجةِ كسرُها لا يُجبَرُ
حسن الظن وحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحامل:
فإن سوء الظن بالناس مما يغرس الحقد والكراهية في النفوس؛ لذا حرمه الإسلام واعتبره كذبًا وإثمًا؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذبُ الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا - عباد الله - إخوانًا)).
قال عمر رضي الله عنه: لا تظننَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
التماس الأعذار، وإقالة العثرات، والتغاضي عن الزلات:
يقول ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء، فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد، فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه.
تأنَّ ولا تعجل بلومك صاحبًا
لعل له عذرًا وأنت تلومُ
وتذكر - يا عبد الله - أن المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يلتمس العثرات.
محبة الخير للمسلمين:
ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه))؛ فالقلب لا يكون سليمًا إذا كان حقودًا حسودًا، معجَبًا متكبرًا.
أخرج البيهقي والطبراني عن ابن بريدة الأسلمي، قال: شتم رجل عبدالله بن عباس، فقال ابنعباس رضي الله عنهما: إنك لتشتمني وفيَّ ثلاث خصال؛ إني لآتي على الآية من كتاب الله عز وجل فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم منها، وإني لأسمع بالحاكم مِن حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به، ولعلي لا أقاضي إليه أبدًا، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح وما لي به من سائمة؛ أي: من دابة ترعى فيالمراعي ولا تعلف.
الرضا بما قسم الله وقدر:
فإن العبد إذا أيقن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بحاله، ولم يجد في قلبه حسدًا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه؛ روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى مَن أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم؛ فهو أجدرُ ألا تزدروا نعمة الله عليكم))؛ فالمرء إذا نظر إلى من هو فوقه ممن فُضِّل عليه في الدنيا استصغر ما عنده من نِعَم الله، فكان سببًا لمقته، وإذا نظر إلى من هو دونه شكر النعمة وتواضع وحمد ربه، وكان ذلك سببًا لسلامته ونجاته؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131].
فمَن رضي بقضاء الله لم يُسخِطه أحد، ومن قنع بعطائه لم يدخله حسَد؛ فليجاهد المسلم نفسَه على دفع الخواطر الداعية إلى الحسد؛ فإن الحسد مِن أخبث الذنوب التي تصيب القلوب وتوغر الصدور.
ومِن أسباب سلامة الصدر: اجتناب أسباب التشاحن والتباغض؛ من غضب وحسد، ونميمة وزور، وتنافس على الدنيا؛ فإنما هي أمراض يلقيها الشيطان في القلوب لتمتلئ حقدًا وبُغضًا وكراهية، وقد حذرنا الله سبحانه مِن كيد الشيطان ونزغه؛ فقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ﴾ [المائدة: 91]، وقال عز وجل: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].
اقرأ أيضا:
الفرق بين الكرم والسفه.. بطون المحتاجين أولىوهذه بعض من فضائل سلامة الصدر وفوائدها؛ عسى أن تكون محفِّزة لنا على الأخذ بها والحرص عليها؛ فإنه قبل الرماء تملأ الكنائن.
سلامة الصدر من أسباب النصر على العدو:
قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾ [الأنفال: 62، 63]؛ فائتلاف قلوب المؤمنين من أسباب النصر التي أيد الله بها رسولَه صلى الله عليه وسلم؛ كما قال الإمام القرطبي رحمه الله.
سلامة الصدر سبب في قبول الأعمال:
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تُفتَحُ أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا))، فانظر كم يضيع على نفسه من الخير مَن يحمل في قلبه الأحقاد والضغائن!.
سلامة الصدر علامة فضل وتشريف:
صاحبها خير الناس وأفضلهم؛ روى ابن ماجه في سننه عن عبدالله بن عمرو قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: ((كل مَخْمومِ القلب، صدوق اللسان))، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: ((هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غلَّ، ولا حسد)).
وفي رواية البيهقي: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قلنا: يا نبي الله، مَن خير الناس؟ قال: ((ذو القلب المخموم، واللسان الصادق))، قال قلنا: قد عرفنا اللسان الصادق، فما القلب المخموم؟ قال: ((التقي النقي، الذي لا إثم فيه، ولا بغي، ولا حسد)) قال: قلنا: يا رسول الله، فمن على أثره؟ قال: ((الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة!))، قلنا: ما نعرف هذا فينا، إلا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن على إثره؟ قال: ((مؤمن في خلق حسن))، قلنا: أما هذه ففينا.
سلامة الصدر طريق إلى الجنة، والنجاة من النار:
قال ربنا سبحانه على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 87 - 89].
روى الإمام أحمد والنسائي في ورد اليوم والليلة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة))، فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته ماءً من وضوئه، معلق نعليه في يده الشمال، فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة))، فطلع ذلك الرجل على مثل مرتبته الأولى، فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة))، فطلع ذلك الرجل على مثل مرتبته الأولى، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعه عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحيتُ أبي، فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاث ليال، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تحلَّ يميني، فعلت! فقال: نعم.
قال أنس: فكان عبدالله بن عمرو بن العاص يحدث أنه بات معه ليلة أو ثلاث ليال، فلم يرَه يقوم من الليل بشيء، غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله، وكبَّر، حتى يقوم لصلاة الفجر، فيسبغ الوضوء، قال عبدالله: غير أني لا أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث ليال كدت أحتقر عملَه، قلت: يا عبدالله، إنه لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات في ثلاث مجالس: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة))، فطلعتَ أنت تلك الثلاث مرات، فأردت آوي إليك فأنظر عملك، فلم أرَكَ تعمل كبيرَ عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فانصرفت عنه، فلما وليت دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي غلاًّ لأحد من المسلمين، ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه، قال عبدالله بن عمرو: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق. صفاء وود، إخاء وحب، قلب سليم، ونفس صافية، وصدر يحتمل الزلات، ويغفر الخطايا، ويمحو الإساءة بالإحسان.