بقلم |
أنس محمد |
الاثنين 25 نوفمبر 2024 - 10:59 ص
تعد قصة نبي الله إبراهيم مع ابنه نبي الله إسماعيل، من أجمل القصص التي ذكرها القرآن، والتي كانت مثالا رائعا في طاعة العبد لربه، والصبر على تحمل المصيبة، والرضا بالابتلاء، وقد كان إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام سباقين لهذا الصبر النبوي، في وقت الابتلاء وأن طاعة الله في كل الأوقات واجبة، وتعد تلك القصة كغيرها من السور المختلفة حتى تزيد من ثبات قلوب المسلمين وتعلمهم أصول دينهم.
يقول الله تعالى في سورة الصافات عندما شرع إبراهيم في تنفيذ الرُّؤيا بذبح ولده إسماعيل (وفَدَيْنَاه بذِبْحٍ عَظِيمٍ).
وجاء أغلب أقوال المفسِّرين أن الذَّبح كان لكبش من الضّآن، واختلفتْ آراؤهم في مَصدره فقيل: إنّه من الجَنّة، وذكروا أنه القُربان الذي قدّمه هابيل بن آدم ـ عليه السلام ـ فتقبّله الله منه ورفعه وأدخله الجنّة يرتَع فيها، وقيل: إنه كبش من كِباش الجِبال، هبط على إبراهيم فذبحه وقيل غير ذلك.
وكلُّها أقوال ليس لها دليل يُعتمد عليه من كتاب أو سنة، وكونه ذِبحًا عظيمًا لا يدلُّ على سِمَنه وكثرة لحمِه، لأن العِظَم قد يطلّق على الشَّرف والأهميّة، وبالطبع هذا الكبش له أهميته لأنه فِداء لشخصيةِ عَظيمة هي إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السّلام.
وأما لحم الذَّبح فلا يدلُّ دليل على أنه رفع وأكلتْه النارُ كالقَرابين في العصور السابقة أو أكلَه سيِّدنا إبراهيم وأهل بيته، أو أعطاه غيرَهم من الناس، أو تركه للوحوش والطيور.
وإذا لم يدلُّ دليل على أصل الكَبش ولا على أكله فالظاهر ـ كالمعتاد ـ أن الكَبش من غَنم الأرضِ وأن إبراهيم أكَلَ منه وتصدَّق على غَيره شكرًا لله على فداءِ إسماعيل، شأنَ الأضحية في الإسلام التي قال فيها النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلم ـ “سُنُّوا بها سُنّة أبيكم إبراهيمَ”.
أصل القصة
النبي إسماعيل هو ابن سيدنا إبراهيم عليهما السلام من زوجته هاجر، وكان سيدنا إبراهيم قد تأخر جداً في إنجابه لطفل، وعندما حملت زوجته كان البيت يغمره الفرح والسرور، فسوف يأتي ذلك الولد الذي سيرثه.
وفي ذات يوم عندما ذهب سيدنا إبراهيم عليه السلام ومعه زوجته وابنه الصغير، إلى مكة وقد أمره الله أن يتركهما هناك، وكان الأمر في ذلك الوقت صعباً، وحزنت هاجر على بقائها وحدها ولكنها صبرت وتحملت طاعةً لربها كما ذُكر في قصة نبي الله إبراهيم.
فدعا لها زوجها وقال لها أنه من أمر الله بأن تبقيا، وبدأت زوجة سيدنا إبراهيم بالبحث عن الماء في الصحراء و بدأت تسعى في الصفا والمروة، فإذْا بالماء يتدفق من تحت سيدنا إسماعيل -عليه السلام- وهو بئر زمزم الذي سيبقى معجزة خالدة إلى يوم الدين.
ورأى نبي الله إبراهيم في المنام بأنه يذبح ابنه فأخبر ابنه وزوجته بذلك، ويظهر ذلك جلياً في قول الله “إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى”.
ومع ذلك فإن الابن لم يخيِّب ظن أبيه في أصعب قرار وأشد ابتلاء له، بل كان على أتم استعداد، وعلى قدر هذه الأمانة وذاك الحمل الثقيل، فأجاب أباه وهو على ثقة من قوله: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾.
وعندما وضع سيدنا إبراهيم -عليه السلام- السكين ليذبحه جاء النداء من رب العالمين بأن هذه الرؤيا لم تكن إلا امتحانًا له -عليه السلام- كما في قول الله تعالى:”وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ”.
أخذ سيدنا إبراهيم ولده وذهب به إلى الصحراء بعيداً حتى وصل بولده لمكانٍ لا يوجد به أحد من الناس والبشر، فقال له ولده إسماعيل في قصة كبش إسماعيل مختصرة : (يا أبتٍ .. لا تنظر إلي وجهي وأنت تذبحني فتتردد، فلا تنفذ أمر الله واحدد شفرتك أي اجعل السكين حاداً سريع القطع حتى يكون أهون عليك).
حتى حدثت المعجزة وافتدى الله إسماعيل بكبش عظيم.
ليتخذ المسلمون بعد ذلك سنة الذبح في عيد الأضحى اقتداءً بقصة النبي إسماعيل -عليه السلام.
كبش من الجنة
و فدى الله إسماعيل بكبش أقرن قد نشأ وترعرع في الجنة أربعين خريفاً، ويقال أنه الكبش الذي قربه ابن آدم إلى الله كقربان، فتقبله الله وكان مخزوناً حتى فدى الله به سيدنا اسماعيل، ويقال أن الذي كان قد فدى به ابن إبراهيم وعلا، كان تيساً.
وقد قال الله تعالى في قصّة إبراهيم ـ عليه السلام عندما بدأ في تنفيذ الرُّؤيا بذبح ولده إسماعيل (وفَدَيْنَاه بذِبْحٍ عَظِيمٍ) (سورة الصافات : 107).
الكبش هبط من الجبال
قال بعض المفسرين أن الذَّبح كان لكبش من الضّآن، ومن ناحية أخرى قد اختلفتْ بعضاً من آراؤهم في مَصدره فقيل: وقيل ايضاً انه كبش من كِباش الجِبال، هبط على إبراهيم فذبحه وقيل غير ذلك ولكن أغلبية القول ترى أنه ذلك القُربان الذي قدّمه هابيل بن آدم ـ عليه السلام ـ فتقبّله الله منه ورفعه وأدخله الجنّة ينمو فيها.
من الذي أكله بعد الذبح؟
لا يوجد أي دليل قاطع على من تناوله أو حتى ما الذي قد حدث لذلك الكبش وهناك بعض الاحتمالات ومنها:-
أنه قد تم رفعه
أن النار قد أكلتْه كالقَرابين في العصور السابقة
أن سيِّدنا إبراهيم قد أكله هو وأهل بيته
أعطاه غيرَهم من الناس
تُرك للوحوش والطيور
حتى وإذا لم يكن هناك أي دليل قاطع وواضح على أصل ذلك الكبش ومصيره بعد الذبح، فذلك الكبش يعتبر من غنم الأرض وأن سيدنا إبراهيم قد أكل منه وتصدق ايضاً على غيره منه وذلك شكراً لله وتعظيماً له على ذلك الفداء، فمصيره على الأغلب كمصير الأضحية كقول النبي صلّى الله عليه وسلم ـ “سُنُّوا بها سُنّة أبيكم إبراهيمَ”.
وقد يبين ذلك التنبيه من قبل على عدم وجود دليل واضح وقول قاطع يبين مصير ذلك الكبش بعد ذبحه، على صحيح أن القرآن الكريم لا يهتمُّ بذكر تلك التفاصيل الجزئيّة مثل اهتمامه بموضع العِبرة والموعظة وبأن إبراهيم لم يذبح جملاً ولا بقرة، لأنّه كان لا يعرف فداءَ ولده، ولكن الله هو الذي نبّهه إلى ذلك على ما يُفهَم من ظاهر التعبير “وفَديْناه بذِبحٍ عَظيمٍ” فهو توجيه من الله سبحانه.
الدروس المستفادة من قصة إسماعيل
التوكل على الله في كل كبيرة وكل صغيرة والإيمان الداخلي الكبير بأن الله لن يضيعك ابداً
بر سيدنا إسماعيل لأبوه ورد فعله عندما قال له أبوه على رؤيته في المنام.
شكر الله الدائم على كل النعم الكبيرة والصغيرة، حتى يديم عليما نعمه.
الجحود على النعمة دائنا يؤدي إلى الكفر وإلى زوالها.