يبحث الحاج في حجه عن أن يغفر الله له ماتقدم من ذنبه، وأن يفتح له أبواب الخير في الدنيا والأخرة، فيخرج أغبر أشعث يتحمل وعثاء الطريق لا يريد إلا وجه الله، فعن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟! قال:(لا، لكنَّ أفضل الجهاد: حج مبرور) رواه البخاري.
لذلك الحج المبرور هو أفضل الأعمال في الإسلام بعد الجهاد في سبيل الله؛ الذي يسعى إليه كل مسلم من المسلمين يشتاق لزيارة بيت الله الحرام، لأنه دعامة من دعائم الدين، وركن من أركان الإسلام الخمسة التي لا يستقيم الإسلام إذا قصر المرء في واحد منها، وهو عبادة العمر، وفيها أبلغ امتحان لصدق الإيمان وقوة اليقين، وهو واجب على كل مسلم بالغ عاقل حر مستطيع واجد للزاد والراحلة.
كيف يكون الحج المبرور؟
الحج المبرور هو ما كان سالما من الإثم والرياء، و يتحلى بالأخلاق والكرم، حتى يبشر صاحبه بالجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم ":(الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). قالوا:يا نبي الله، ما الحج المبرور؟ قال:(إطعام الطعام، وإفشاء السلام).
وقيل أيضاً في المراد بالحج المبرور:هو الذي لا يخالطه شيء من الإثم. وقد رجحه النووي.
لذلك شرط الله عز وجل لكي يغفر ذنوب الحاج أن يكون حجه مبرورا، ولكي يكون حجنا مبرورا علينا الالتزام بهذه الشروط:
1/يبدأ الحج المبرور بالتوبة، بأن يبادر الحاج بتوبة خالصة من جميع المعاصي والمكروهات، ويسترشد بالحديث الشريف:(التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه.
2/أن يكون حجه بمال حلال خالص من أية شبهة.
3/أن يخلص حجه لله تبارك وتعالى، والتقرب به إليه سبحانه، ثم يقضي ما عليه من دين حال، ويرد الودائع إلى أصحابها، ويتحلل كل من كان بينه وبينه معاملة في شيء، ولا ينسى أن يكتب وصيته بحقوق المولى عز وجل، وبحقوق الآدميين والإشهاد عليها.
4/أن يجتهد في إرضاء أصوله ومشايخه وأرحامه، وأن يعد المؤنة الواجبة عليه لمن لهم النفقة حتى يعود.
5/أن يترك الرفث والفسوق والجدال في الحج، وعليه أن يترك المعاكسة والمشاغبة فيما يشتريه. قيل: "المروءة في السفر: بذل الزاد، وقلة الخلاف بين الأصحاب، وكثرة المزاح في غير مساخط الله، والصبر على الأذى".
6/أن يودع أهله وجيرانه وقرابته ومعارفه، ويتحلل منهم، ويطيب قلوبهم، ويلتمس منهم الدعاء، وأن يتصدق عند خروجه.
7/كثرة ذِكْرِ الله تبارك وتعالى في الحج؛ لأن الله تعالى أمر بكثرة الذكر في إقامة المناسك مرة بعد أخرى، وخصوصاً أثناء الإحرام، ويكون بالتلبية والتكبير والتهليل. سئل صلى الله عليه وسلم: أي الحاج أفضل؟ قال:(أكثرهم لله ذِكْراً) رواه أحمد. وقال صلى الله عليه وسلم:(أفضل الحج: العج والثج) رواه الترمذي. والعج: رفع الصوت بالتلبية. والثج: نحر البدن.
ماهو فضل الحج المبرور؟ وماهو جزاؤه؟
أولاً:غفران الذنوب والآثام، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "لما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يدك فلأبايعك. فبسط، فقبضت يدي، فقال:(مالك يا عمرو؟) قلت:أشترط، قال: (تشترط ماذا؟) قلت:أن يغفر لي، قال:(أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله) رواه مسلم.
وروى الطبراني في "المعجم الأوسط " أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(حجوا؛ فإن الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن).
ثانياً:النفقة في الحج تضاعف بسبعمئة ضعف، فعن بريدة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمئة ضعف) .
ثالثاً:الحُجّاج والعُمّار وفد الله تعالى وخاصته، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(الحجاج والعمار وفد الله؛ إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم) رواه ابن ماجه. وعن أبي هريرة أيضاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وفد الله ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر) رواه النسائي.
رابعاً:ضَمِنَ الله تعالى للحجاج والعمار الجنة عند لقاء ربهم، فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن هذا البيت دعامة من دعائم الإسلام؛ فمن حج أو اعتمر فهو ضامن على الله؛ فإن مات أدخله الجنة، وإن رده إلى أهله رده بأجر وغنيمة) .
اقرأ أيضا:
الامتحان الأصعب.. 3 أسئلة تحصل علمها في الدنيا لتجيب عنها في القبركيف نعرف أن الله قد غفر لنا؟
الحج المبرور هو الحجّ المقبول الذي يقابله الله سبحانه بالبرّ وهو الثواب، وإنما يكون الحج كذلك إذا لم يخالطه شيء من المآثم.
وهناك علامات نعرف من خلالها أن الله قد غفر للحاج، ولانزكي على الله أحد، فلكي يكون الحج مبرورًا يجب أن يخلص الإنسان حجه لوجه ربه؛ لأن الله تعالى حينما فرض الحج على الناس، في كتابه، أشار إلى أن هذه الفريضة له دون سواه، فقال: ( وللهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، ومَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ (آل عمران: 97).
ولذلك على من يريد أن يجعل حجَّه مبرورًا أن يخرج إليه بنية الطاعة إلى الله تعالى، والتقرب منه، لا بنية أمر آخر من أمور الدنيا أو شهوة من شهوات النفس، وهذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ” ما من خارج يخرج من بيته، إلا ببابه رايتان، راية بيد ملك، وراية بيد شيطان، فإن خرج لما يحب الله عز وجل، اتبعه الملك برايته، فلم يزل تحت راية الملك، حتى يرجع إلى بيته؛ وإن خرج لما يسخط الله اتبعه الشيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان “.
ولكي يكون الحج مبرورًا ينبغي للحاج أن يتوجه إلى ربّه صادقًا مخلصًا بالدعاء والرجاء، والتوبة والاستغفار، فيرد مثل هذا الدعاء: اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من سوء الرفقة في السفر، والكآبة في المنقلَب، اللهم اطوِ لنا الأرض، وهوّن علينا السفر.
ويكثر من أمثال هذه الدعوات في مختلف الأماكن والمناسبات لأن الدعاء الطاهر الصادق المخلص هو مخّ العبادة كما ورد عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
ولكي يكون الحج مبرورًا يجب على القائم به أن يحج من مال حلال طيب ليس بحرام ولا خبيث لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ” إن الله طيّب لا يقبل إلا طيِّبًا”.
ويقول صلى الله عليه وسلم: ” إذا خرج الحاج حاجًا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز ( الركاب ) فنادَى: لبيك اللهم لبيك، ناداه منادٍ من السماء : لبيك وسعدَيك ( أي أجاب الله حجك إجابة بعد إجابة )، زادك حلال، وراحتك ( مركبك ) حلال، وحجُّك مبرور غير مأزور. وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك، ناداه مناد من السماء، لا لبيكَ ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مأجور”.
ومن شروط المغفرة أن يكثر الحاج من الطاعة والاستغفار، والتعبد والإنفاق، وأن يكون مثلا طيبا لمكارم الأخلاق، وأن يطعم فيه الطعام قدر استطاعته، وأن يتحدث بلين الكلام، وأن يتحمل ما قد يقع من غيره من هفوات، وأن يعفو ويصفح، وأن يعود من الحج زاهدا في شهوات الدنيا، راغبا في طاعات الآخرة، عاقدا النية على دوام الإنابة والاستقامة، فالله جل جلاله يقول: ( الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعلومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ ولاَ فُسوقَ ولاَ جِدالَ فِي الحَجِّ، ومَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ، وتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوَى واتَّقُونِي يَا أُولِي الأَلْبابِ ) (البقرة: 197) والرسول صلّى الله عليه وسلم يقول:” مَنْ حَجَّ فَلم يَرفثْ ولم يفسُق رجَع كيومَ ولدتْه أمُّه”.