يجتهد المؤمنون في الطاعة في هذه الأيام الفاضلة العشر الأوائل من ذي الحجة لأنهم يعلمون ثوابها وجزاء العمل فيها لكن هناك من يجتهد لكنه يقع في بعض المعاصي التي تدمر ما يفعله لأن بعض المعاصي تأكل الحسنات. المعاصي تأكل الحسنات:
ومن المعاصي الخطيرة التي يحذر منها في كل وقت وخاصة الأوقات الفاضلة لأنها تأكل الحسنات فلا يبقى له ثواب عمل الامتنان على الناس بما يفعل ورؤية نفسه أفضل من الناس بما يفعله فإن صام احتقر غير الصائمين وإن ذكر الله ظن أنه الأفضل بخلاف غيره من الغافلين الذين يراهم لا شيء أمام يفعل وبهذا يحتقرهم وربما يسخر منهم أو يوبخهم بقول أو فعل.
ومن المعاصي الدفينة أيضا التي تفسد وتحبط ثواب عملك الصالح في هذه الأيام أن تقع في الرياء وهو الشرك الخفي بأن تعبد الله حتى يقال إنك عابد وتصوم لأجل أن يقال إنك صائم وبهذا فأنت تعبد الله شكلا فقط بينما أنت تعبد الناس حقيقة تصوم من أجلهم وتذكر الله من أجل ثنائهم وهذا كله محبط للثواب.
ومن المعاصي التي يحذر الوقوع فيها في كل الأيام خاصة العشر الأوائل من ذي الحجة أن تتكاسل عن أداء أعمالك بدعوى التفرغ للذكر فتعطل مصالح الناس من أجل صيامك وعبادتك فهذا كله لا يجوز بل الأولى أن تجتهد في عملك وأنت موقن أن عملك هذا عبادة لله تأخذ عليها أجر كبير وثواب عظيما فهذه المعاصي وغيرها محبط لثواب عملك مهما كان اجتهادك في
العشر الأوائل من ذي الحجة.
معنى العجب وأسبابه:
ولما كان العجب أخطرها أقف معه وقفة متأنية لأنه داء خفي يأكل الحسنات وهو من أشد الأدواء التي تفتك بقلب العبد، وإن كثرت حسناته، يأتي نتيجة جهل العبد بحاله، وذنوبه، وعيوبه، وأيضًا جهله بعظمة ربه سبحانه، وما يستحقه من العبودية، يقول ابن القيم في مدارج السالكين: رضاء العبد بطاعته، دليل على حسن ظنه بنفسه، وجهله بحقوق العبودية، وعدم علمه بما يستحقه الرب جل جلاله، ويليق أن يعامل به.والحاصل أن جهل الإنسان بنفسه، وصفاتها، وآفاتها، وعيوب عمله، وجهله بربه وحقوقه، وما ينبغي أن يعامل به، يتولد منهما رضاه بطاعته، وإحسان ظنه بها، ويتولد من ذلك من العجب، والكبر، والآفات ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة من الزنى، وشرب الخمر، والفرار من الزحف، ونحوها. فالرضى بالطاعة من رعونات النفس، وحماقتها. اهـ من مدارج السالكين.
علاج العجب:
وعلاج
العجب يحصل باستشعار نعمة الله، ومنّته على العبد بالطاعة، وأن يجعل العبد نصب عينيه عيوب نفسها، وآفاتها، وتقصيرها.
قال ابن القيم: فمن أراد الله به خيرًا، فتح له باب الذل، والانكسار، ودوام اللجأ إلى الله تعالى، والافتقار إليه، ورؤية عيوب نفسه، وجهلها، وعدوانها، ومشاهدة فضل ربه، وإحسانه، ورحمته، وجوده، وبره، وغناه، وحمده.
فالعارف سائر إلى الله تعالى بين هذين الجناحين، لا يمكنه أن يسير إلا بهما، فمتى فاته واحد منهما، فهو كالطير الذي فقد أحد جناحيه.
قال شيخ الإسلام: العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنّة، ومطالعة عيب النفس والعمل.
وهذا معنى قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الصحيح من حديث بريدة -رضي الله تعالى عنه-: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت»، فجمع في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي) مشاهدة المنّة، ومطالعة عيب النفس والعمل.
فعلى المؤمن أن يطهر نفسه هذه الأمراض الخطيرة أولا بأول حتى يحافظ على ما اكتسب من الحسنات وحتى لا يضيع ثواب عمله فرب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر.