من أكثر ما نتهاون فيه ويضيع من بين أيدينا، دقائق الانتظار، والتي دائما ما تشكل أغلب أوقات حياتنا، فتضيع فيها أعمارنا بلا جدوى، بالرغم من أنها صاحبة النصيب الأكبر في مشوارنا.
هل فكرت يوما كيف تستغل أوقات الانتظار؟.. الانتظار على محطات القطارات والأتوبيسات ووسائل المواصلات، أو الانتظار على أبواب المصالح الحكومية، أو الانتظار لشراء الطعام أو إعداده، فكثيرة هي دقائق بل ساعات الانتظار ولكن تضيع هدرا بلا فائدة، وكثيرة هي دقائق الانتظار التي يضطر كثير منا أن يقضيها في طريق الذهاب إلى العمل أو المدرسة .
ربما تصادف بعض الملصقات التي توجد في وسائل المواصلات أو بعض المحلات وتقول لك: " دقائق الانتظار اجعلها استغفار"، ولكن قد لا تعبأ بها، وتفضل أن تقف صامتا أو مفكرا في اللاشيء على أن تشغل وقت فراغك وانتظارك بذكر الله، بالرغم من ثقل ووقْع تلك الدقائق على كثير من الناس , فمعظمهم في عجلة من أمره , وغير قليل تلك المشكلات والنزاعات التي قد تنشب بين المنتظرين في تلك الدقائق المعدودة , ولعل السبب الأهم في كل هذا هو عدم استثمار تلك الدقائق بما يعود على المسلم بالخير والنفع والفائدة الدنيوية والأخروية .
صنفان لا ثالث لهما:
أحدهما لا يتوقف خلال هذه الدقائق عن التأفف والتذمر والتضجر والتفكير في اللاشيء، وهو ما يجعلها تمر عليه وكأنها ساعات من شدة ثقلها على نفسه , ناهيك عن آثارها السلبية على جسده , حيث الأعصاب المشدودة والتوتر الظاهر والحنق والغضب الذي لا تخفى سلبياته على كل بصير .
ويتعدى الضرر حدود نفسه إلى الآخرين من حوله , من خلال اختلاق مشكلات مع الزوجة التي لم تنتهي من إعداد الطعام، أو مع الأولاد الذين انتظرهم الأب طويلا في السيارة عند باب المدرسة أو البيت.
والصنف الآخر قد علم أنه لا مفر من مرور هذه الدقائق عليه شاء أم أبى , ومن ثم استثمرها بما يفيده في دينه ودنياه , فشغل نفسه خلالها بإتمام ورده وذكره اليومي الذي قد يكون قد نسيه أو فاته في الصباح , أو استغل هذا الوقت بمذاكرة محفوظاته من كتاب الله تعالى غيبا , او استفاد من وسائل الاتصال الحديثة ففتح هاتفه المحمول وتلا شيئا من القرآن الكريم، أو قرأ كتابا مفيدا زاد من معارفه.
وهنا تصور حجم الفائدة وعظم المنفعة التي سيجنيها من يستثمر دقائق الانتظار هذه , لأنه لم يدقق يوما في مجموعها الذي قد يصل أحيانا إلى عدة ساعات في بعض الأيام , وهو ما يعني أن قدرا لا بأس به من أعمارنا تذهب سدى في المواصلات وطوابير الانتظار ودون فائدة.
فقد تؤجل حفظك للقرآن الكريم إلى أجل غير مسمى نتيجة انشغالك، ولكنك قد تسمح لنفسك بضياع ثلثي عمرك في الانتظار دون جدوى، بالرغم من أنه لم يكن هناك فرصة في أن تحفظ أو تقرأ في هذه الدقائق التي تضيع من عمرك هدرا.
ويستطيع حافظ القرآن الكريم الذي يلتزم بورد يومي من كتاب الله تعالى أن يتم أحيانا هذا القدر الكبير من الحفظ في تلك الأوقات , فإن لم يكن فجزأ كبير منه على أقل تقدير , وهو ما يجعله يوفر وقت المذاكرة لعمل آخر ديني او دنيوي .
أما غير الحافظ فيستطيع أن يتلو ورده اليومي من كتاب الله تعالى في هذه الدقائق, كما يمكنه أن يزيد على ذلك بقراءة ورده من أذكار الصباح والمساء , ناهيك عن الأذكار الأخرى التي لا تختص بوقت من الأوقات , وفيها من الأجر والثواب العظيم ما يفتقر إليه كل واحد منا .
وقد لا يصدق البعض أن كثيرا ممن استثمر هذه الدقائق واستغلها أحسن استغلال قد أنهى قراءة الكثير من الكتب وربما المجلدات في هذه الدقائق مع مرور الأيام , وأنه أضحى ذا ثقافة عالية ومن القراء النهمين الذين لا يكادون ينتهون من قراءة كتاب حتى يباشرون في غيره .
اقرأ أيضا:
أصبت بالاكتئاب بعد وفاة أمي وتعالجت لكنني انتكست .. ما العمل؟سلبية ضياع الوقت
بعض المسلمين يتعامل مع هذه الدقائق بشكل سلبي يثير الكثير من العجب والغرابة , فديننا الحنيف يدعو المسلم إلى استثمار كل ثانية من الحياة بما ينفعه في دينه ودنياه , ففي الحديث عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَه ).
كما أن الأجر والثواب الذي ورد في الأحاديث الصحيحة لكثير من الأذكار ينبغي أن يدفع العاقل من المسلمين ليستثمر هذه الدقائق بتلك الأذكار , فقد ورد في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ).
وفي حديث آخر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أيضا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ) .