يتخفف الفرد في مرحلة بلوغه أو إدراكه خلال مرحلة الطفولة، من علاقته بالأسرة واتصاله المباشر بها، ويتصل اتصالاً قويًا بأقرانه وزملائه، وبالعالم الافتراضي الذي فرضته عوالم التقنية علينا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية، ثم يتخفف الطفل من علاقته بأسرته ليتصل من قريب بمجتمعات أخرى، من خلال تطبيقات الاتصال المختلفة، فيساعدوه على شيء من التحرر، حتى يمضي قدمًا في طريق مختلف عن الذي رسمته له الأسرة، فيعتمد على نفسه في رسم مستقبل حياته الافتراضي، متأثرا بعالمه الجديد، وفي اختيار أصدقائه، وفي قضاء أوقات فراغه، والاستمتاع بهواياته.
عالم غريب يسيطر عليه
إلا أن هذا العالم دائما ما يخرج الطفل أو البالغ عن سيطرة والديه، لطالما انشغلوا عنه، وتركوه لهذا العالم الجديد الذي يشكل شخصيته، بحسب ما يصادفه من أشخاص افتراضيون لا يعرف عنهم سوى ما يقنعونه به ويسيطرون عليه من خلاله، لينقاد إليهم كالمسحور، فيفعل ما يريدون منه.
ومن أخطر ما يقع فيه أطفالنا خلال اتصالهم بالعالم الخارجي، التعرف على بعض تيارات التطرف الفكري أو الأخلاقي، أو مجموعات النصب الإلكتروني، فدائما ما نسمع عن وقوع بعض الشباب ضحية لأفكار بعض المتطرفين دينيا فيصنعون من أجسادهم قنبلة لتنفجر في وجوه المجتمعات المسلمة، تحت دعوى التكفير، وهناك من يقع ضحية للتطرف الأخلاقي من خلال شبكات الدعارة التي تعمل تحت ستار التسويق الإلكتروني لأجساد الفتيات والنساء من خلال عرض فيدوهات راقصة أو الدخول ضمن شبكات الشات بين الجنسين، حتى أن بعض الآباء فوجئوا ببناتهن عاريات على بعض المواقع الإباحية خلال تسجيل مصور لها وهي تخلع ملابسها دون أن تشعر.
ويأتي الطرف الأخير خلال مجموعات النصب الإلكتروني على الأطفال من خلال اللعب الخطرة التي تجعل من أطفالنا مجموعة من اللصوص يتحركون تحت سحر ومؤثرات ألعاب مثيرة تهدد حياة ومستقبل أطفالنا وتجعلهم تحت ضغوط وابتزاز مجموعات النصب بشكل مستمر.
ألعاب تخلق لصوصًا
فقد تحول أطفال كثيرون لمجموعة من اللصوص دون قصد، وضحية من ضحايا مجموعات النصب الإلكتروني خلال الاشتراك في بعض الألعاب الخطرة، فكم منا سمع عن أطفال سرقوا أباءهم لتنفيذ رغبات شبكات النصب التي تنصب على الأطفال، ومن بينها طفل بريطاني وضع والده في مأزق بعد أن اضطره لبيع سيارته الخاصة لتسديد فاتورة ابنه الباهظة بعد ممارسته لعبة إلكترونية مدفوعة الأجر على هاتفه الذكي.
وباع الرجل سيارته بعدما وصلته فاتورة لعبة الفيديو التي بلغت 1300 جنيه إسترليني «1800 دولار»، بحسب ما نقلته شبكة «سكاي نيوز» .
وبدأت القصة بعدما استخدم الطفل البالغ من العمر 7 أعوم تطبيق ألعاب على الهاتف الذكي، لم يكن يعلم أنه مكلف.
ولم يدرك والده الأمر إلا بعدما وصله عبر البريد الإلكتروني 29 فاتورة متتالية تتراوح قيمتها من 2 إلى 100 جنيه إسترليني، نتيجة ممارسة لعبة «تدريب الوحش».
ولأن المبلغ كان كبيرا على الأب الذي يعيش في شمال ويلز، وليس لديه سيولة مالية، اضطرب إلى بيع سيارته من طراز تويوتا لتسديد الفواتير.
فضلا عن أخبار أكدت سرقة مئات الألاف من الجنيهات في مصر من خزينة أحد الآباء، وبعد توالي التحقيقات اكتشف الأب أن السارق هو ابنه الذيكان ضحية لتنفيذ تعليمات مجموعة من النصابين كعقاب له في تطبيق لعبة بابجي.
اقرأ أيضا:
زوجتي طفلة كلما غضبت خاصمتني وذهبت لبيت أهلها.. ماذا أفعل؟ألعاب خطرة
ومن بين الألعاب الخطرة لعبة الوشاح الأزرق، وهي لعبة إلكترونية ارتبط اسمها بشكل واضح بتعريض حياة مستخدميها من الشباب والمراهقين للخطر، حيث تسببت في وفاة عدد من المستخدمين في مصر وعدد من دول العالم.
لعبة الوشاح الأزرق يقوم فيها المستخدم بتصوير نفسه وهو يكتم أنفاسه متعمدًا بعد أن يجلس في غرفة معتمة، تحت شعار خوض تجربة مٌثيرة كما يتم الترويج لها، الأمر الذي أدى للاختناق ثم الوفاة لبعض الحالات.
وتسلل إلى مجتمعنا العديد من الألعاب الإلكترونية التي عرضت حياة مستخدميها للخطر، سواء من خلال دفعهم للانتحار أو دفعهم إلى طريق الموت دون أن شعروا أو إكسابهم سلوكيات عنيفة وتمرير مفاهيم خاطئة تنطوي عليها اللعبة، أو حتى من خلال انتهاك خصوصياتهم عن طريق قوانين لعبة الوشاح الأزرق.
وفي عام 2018 ظهرت لعبة أخرى تسمى الحوت الأزرق وانتشرت بشكل سريع بين المراهقين وحصدت أرواح عدد كبير من مستخدميها، حيث كانت تقوم بشكل أساسي على توجيه طلبات منهم تنطوي على إيذاء أنفسهم بشكل تدريجي، في شكل 50 تحدي تبدأ باستخدام آلة حادة لرسم جرح على اليد على شكل حوت ومشاهدة أفلام الرعب وتتدرج إلى أن تنتهي بمطالبة المستخدم بشكل صريح بالانتحار ووضعه في حالة من الرعب إذا لم يقم بتنفيذ المهمة الأخيرة.
كابوس بابجي
تعد لعبة بابجي من أشهر الألعاب الإلكترونية التي أصبحت كابوسا في حياة الآباء، نتيجة شيوعها بين أطفالهم، حيث يقضي قطاع كبير من الناس فترات طويلة من يومه في استخدامها، ورغم أنها لا تدفع المستخدم للانتحار أو إيذاء نفسه، إلا أنها أيضًا من الألعاب المحظورة التي تسببت في الكثير من المشاكل.
الإفتاء تجرم وتحرم
وأصدرت دار الإفتاء المصرية، الخميس، فتوى بتحريم المشاركة في مثل هذه الألعاب، التي تطلب ممن يشاركون فيها اتباع بعض الأوامر والتحديات التي تنتهي بهم إلى الانتحار، وهو ما وقع فيه الكثير من المراهقين مؤخرا في مصر وعدد من دول العالم.
وطالبت دار الإفتاء من استدرج للمشاركة في اللعبة أن يسارع بالخروج منها، وناشدت الآباء بمراقبة سلوك أبنائهم وتوعيتهم بخطورة هذه الألعاب القاتلة، وأهابت بالجهات المعنية تجريم هذه اللعبة، ومنعها بكل الوسائل الممكنة، لما تمثله من خطورة على الأطفال والمراهقين.
وأوضحت الدار في فتواها أن الشريعة الإسلامية جاءت رحمة للعالمين، واتجهت في أحكامها إلى إقامة مجتمع راق متكامل تسوده المحبة والعدالة والمثل العليا في الأخلاق والتعامل بين أفراد المجتمع، ومن أجل هذا كانت غايتُها الأولى تهذيب الفرد وتربيته ليكون مصدر خير للبلاد والعباد، وجعلت الشريعة الإسلامية الحفاظ على النفس والأمن الفردي والمجتمعي مقصدا من أهم المقاصد الشرعية؛ التي هي النفس، والدين، والنسل، والعقل، والمال، فكل ما يتضمن حفظ هذه المقاصد الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوتها فهو مفسدة ودفعها مصلحة.
وأشارت الدار في فتواها إلى أنه من هذا المنطلق يتضح أن هذه اللعبة تشتمل على عدة أفعال؛ كل واحد منها كفيل بتحريمها شرعا وتجريمها قانونا؛ أهمها أن المشارك في هذه اللعبة يبدأ بعد التسجيل فيها بنقش رمز على جسده بآلة حادة؛ كالسكين أو الإبرة أو نحوهما، وفي هذا الفعل إيذاء من الإنسان لنفسه، وهو أمر محرم شرعا، فإن حفظ النفس من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة، ولهذا حرم اللهُ تعالى كل ما يؤدي إلى إتلاف الإنسان أو جزء منه، وجعل رعايته في نفسه وجسده مقدمة على غيرها، ومن مقتضيات الحفاظ على نفس الإنسان حمايته من كل ما يمكن أن يصيبه بالضرر في صحته، فحرمت الشريعة عليه كل ما يضره، وجرمت إيصال الضرر إليه بشتى الوسائل.
وأضافت المشارك في نهاية اللعبة يقوم بأحد فعلين إما أن يقتل نفسه وهو الانتحار، أو يقتل غيره، وقد حرمت الشريعة الإسلامية إتلافَ البدن وإزهاقَ الروح عن طريق الانتحار أو ما يؤدي إليه؛ فأَمَرَتِ الإنسانَ بالمحافظة على نفسه وجسده من كل ما يُهْلِكه أو يَسُوءُه، ونَهت عن أن يقتل الإنسانُ نفسَه أو يُنزِلَ بها الأذى؛ فلا يجوز لأحدٍ أن يتصرف في جسده تصرفًا يُؤدي إلى إهلاكه أو إتلافه، وكُلُّ إنسانٍ -وإن كان صاحب إرادةٍ فيما يَتعلق بشخصه- فإنها مُقَيَّدةٌ بالحدود التي شرعها الله تبارك وتعالى.