لماذا يتصور البعض أن الخوف من عذاب الله، إنما وراءه سبب، وكأن من يخشى الله عز وجل لابد أن يكون ظالمًا أو أذنب ذنبًا عظيمًا، والمفترض أن العكس هو الصحيح، إذ أنه لا يخشى الله إلا الصالحين، بل أنه من أبرز صفات عباد الرحمن التي ذكرت في سورة الفرقان الخوف من عذاب الله تعالى.
ولذلك فإنهم دومًا يسألون الله تعالى أن يصرف عنهم عذاب جهنم، قال سبحانه: « وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا » (الفرقان: 65)، وهكذا يجب أن يكون حال المؤمن خائفًا من الله وجلا مع كونه محسنًا مسارعًا في الخيرات، وليس فقط يتوقف الخوف عند من يذنب أو يخطيء.
الخوف يعني العبادة
عزيزي المسلم، كن على يقين أن الخوف من الله تعني جل العبادة الصحيحة، وليس تعني الوقوع في ذنب ما، كما قال سبحانه: « وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ » (المؤمنون: 60).
ويروى أنه حين سمعت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، هذه الآية قالت: يا رسول الله هم الذين يسرقون ويشربون الخمر، فقال عليه الصلاة والسلام: «لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويتصدقون ويصلون وهم خائفون، ألا تقبل منهم».
وهذا إنما هو حال المؤمن طوال الوقت، فالمؤمن الحق يكون دائمًا بين الخوف والرجاء، يرجو رحمة الله ويخاف عذابه، وقد وصفهم الله تعالى في قوله: «رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ» ( النور 37).
الدعاء بالقبول
إذن الخوف من عذاب الله، إنما هو ديدن الصالحين، ومبدأ أهل العلم، بل أن أنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كانوا يسألون الله عز وجل دائمًا القبول، أي أن تقبل أعمالهم.
وقد كان نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم وهو سيد الأنبياء والمرسلين، وإمام المتقين، قبل أن يذبح أضحيته يسأل الله القبول فيسمي ويقول اللهم تقبل من محمد ومن آل محمد، وهذا الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام حينما أتما بناء البيت سألا الله القبول، قال سبحانه: « وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » (البقرة: 127)، فاللهم اجعلنا ممن يخاف عذابك يارب العالمين.