خلق الله تعالى الخلق لغاية عظيمة هي عبادته وجعل سبل العبادة ميسورة وكلها موصلة للجنة التي أعدها الله لعباده الطائعين.
ولما كانت الجنة غاية الغايات وأن رضا الرحمن هو السبيل إليها كان لزامًا السعي لها بإخلاص .. والسؤال هل الوصول للفردوس الأعلى من الجنة طريق صعب وإذا كان صعبا فكيف نفهم قول الرسول الكريم قال: (إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى.... الحديث).
إن مجرد أن يتعلق قلبك بها والفردوس الأعلى منها وذكرها والسعي لها بما تملك مما تعبدك الله بها وإكثار من الدعاء (اللهم إني أسألك الفردوس الأعلى من الجنة)، كل هذا ييسر لك سبل دخولها والتنعم بما فيها.
إن إمكانية خول الجنة والفردوس الأعلى منها يعني أنه ذلك غير مستحيل الحدوث وهذا معنى الدعاء بدخولها : (إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى.... الحديث)..
كيف أكون من أهل الفردوس الأعلى؟
بداية لابد أن نعلم أن فضل الله تعالى علينا كبيرا وأنه تعالى ما خلق الجنة إلا للتنعم بها فخي جائزة الطائعين بما يعني ان من يعبد الله بما شرع استحق دخولها فهي إذا ليست أمنية لن تتحقق والسؤل: ما هي أقرب الأعمال التي توصلنا إلى هناك بإذن الله تعالى؟
طرق رضا الله تعالى معروفة روى الترمذي وحسنه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ). صححه الألباني في "صحيح الترمذي" وغيره، ومعلوم أن الجنة سلعة غالية ، والفردوس الأعلى أعلى الجنان وأفضلها ، ولا يصل إليها إلا من اختصهم الله بمزيد فضله، وقد ورد في وصف الجنة ما رواه الترمذي وصححه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( َالْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا ) وصححه الألباني، وهذا يعني أن دخول الجنة ممكنا لآحاد المسلمين وليس فقط للأنبياء كما يشاع وهذا يتطلب عملا مضاعفا وتضحية ممن يريد تحصيلها فعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ) متفق عليه، فلما فإذا كانت الجنة محفوفة بالمكاره وأنواع المشاق ، فكيف بأعلى درجاتها وأسمى منازلها؟ وأهل الفردوس الأعلى هم السابقون المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا ، قال الله تعالى :( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) الواقعة/10 – 12يقول ابن كثير : "من سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير ، كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل ، وكما تدين تدان".
سبل دخول الفردوس الأعلى:
ويحصل هذا بأمور منها الدعاء ، فإن الدعاء هو العبادة ، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكما أنه عبادة محبوبة لله ، فهو سبب في حصول المطلوب ، ومن أراده الله به خيرا ، وفقه لأسبابه ، ويسر له العمل الذي يؤهله لذلك ؛ كما قال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) سورة الليل /5-10 .
ولك الأماني وحدها والدعاء لا يكفي ، وإنما هو بسلوك أسباب ذلك ، ولولا ذلك ما كان فرق بين الصادق والكاذب ، وهذا من حكمة الله تعالى في تكليفه لعباده ، وأمرهم بما أمرهم به، ومن أهم الأعمال التي تبلغ المسلم الدرجات العلى ، ولعلها أن تبلغه الفردوس الأعلى برحمة الله : الجهاد في سبيل الله :فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَا أَبَا سَعِيدٍ ، مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ . فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ ، فَقَالَ : أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ ، وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ !! قَالَ : وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) .
أيضا الإخلاص والصدق مع الله روى مسلم من حديث سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ).
- الإيمان بالله والتصديق بالمرسلين :قال الله تعالى :
( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا .
- إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ ) قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ( إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ) . رواه مسلم.
- أيضا الطاعات التي ورد في الأخبار الصحيحة أنها سبب في معية النبي صلى الله عليه وسلم ومصاحبته في الجنة :
روى مسلم عن ربيعة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه قَالَ : كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي : سَلْ فَقُلْتُ : أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ . قَالَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ قُلْتُ هُوَ ذَاكَ . قَالَ : فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ وروى مسلم أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ) وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى .
وبالجملة : فالاجتهاد في الأعمال الصالحة ، والمسارعة في الخيرات ، واستدامة العمل الصالح ، وصنائع المعروف ، ومسابقة أهل الخير والصلاح : أصل الوصول إلى غاية المأمول في الدنيا والآخرة ، ولو كانت تلك الغاية هي الفردوس الأعلى .