كان الإمام علي رضي الله عنه حذرا في الحروب شديد الروغان لا يكاد أحد يتمكن منه، وكانت درعه صدرا لا ظهر لها.
فقيل له: أما تخاف أن تؤتى من قبل ظهرك، فقال: إذا مكنت عدوي من ظهري، فلا أبقى الله عليه إن أبقى عليّ.
رشوة لقتله:
قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنة الله تعالى عليه، غدره وهو في صلاة الصبح. وسبب ذلك أن عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله تزوج بقطام بنت علقمة، وكانت خارجية، فقالت له: لا أقنع إلا بصداق، أسميه وهو ثلاثة آلاف درهم، وعبد وأمة، وأن تقتل علي بن أبي طالب، فقال لها: لك ما سألت إلا علي بن أبي طالب، وكيف لي به؟ قالت: تغتاله، فإن سلمت أرحت الناس من شره، وأقمت مع أهلك، وإن أصبت دخلت الجنة.
فقال:
ثلاثة آلاف وعبد وقينة .. وضرب عليّ بالحسام المخذم
فلا مهر أغلى من علي وإن علا .. ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
وقد قيل إنه طعنه وهو داخل المسجد في الغلس، وذلك في تاسع عشر رمضان المعظم سنة أربعين من الهجرة.
كفنه رضي الله عنه:
وقد كفن رضي الله عنه في ثلاثة أثواب، ودفن في الرحبة مما يلي باب كندة من أبواب المسجد.
قالوا: ولما ضربه ابن ملجم لعنه الله، ثار الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم، فاحتضنوه، وقام المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، فأخذه، فأومأ علي رضي الله عنه إلى المغيرة أن صلّ بالناس، فصلى بهم الفجر وأقبلت هَمْدان، فدخلوا على عليّ، فقالوا يا أمير المؤمنين: لا تقوم لهم قائمة إن شاء الله تعالى، فقال: لا تفعلوا إنما النفس بالنفس.
نهاية ابن ملجم:
قال: ثم إن الحسن رضي الله عنه صلى الفجر وصعد المنبر، فأراد الكلام، فخنقته العبرة، ثم نطق، فقال: الحمد لله على ما أحببنا وكرهنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم «وإني أحتسب عند الله عز وجل مصابي بأفضل الآباء رسول الله القائل صلى الله عليه وسلم من أصيب بمصيبة فليتسل بمصيبته في، فإنها أعظم المصائب».
وتابع قائلا : والله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل على عبده الفرقان، لقد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدركه الآخرون، فعند الله نحتسب ما دخل علينا وعلى جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم. فو الله لا أقول اليوم إلا حقا، لقد دخلت مصيبة اليوم على جميع العباد والبلاد، والشجر، والدواب. ولقد قبض في الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم عليهما السلام إلى السماء، وقبض فيها موسى بن عمران، ويوشع بن نون عليهما السلام وأنزل فيها القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم أطرق الحسن، فبكى الناس بكاء شديدا، ثم نزل، فجرد سيفه، ودعا بابن ملجم، فأقبل يخطر واضعا شعره على أذنيه حتى قام بين يديه.
فقال: يا حسن إني ما عاهدت الله تعالى على عهد قط إلا وفيت به.. عاهدت الله تعالى على أن أقتل أباك وقد قتلته، فإن تخلني أقتل معاوية، فإن أنا قتلته أضع يدي على يدك، وإن أقتل، فهو الذي تريد.
فقال الحسن رضي الله عنه: أما والله لا سبيل إلى بقائك، ثم قام إليه فضربه بالسيف، فاتقاه ابن ملجم بيد، ثم أسرع بالسيف فيه فقتله.