تقول الروائية الأمريكية إليزابيث جيلبرت: (عند نقطة معينة عليك أن تستسلم وتجلس ساكنا وتترك الرضى يأتي إليك ) ، إذن علينا أن نعي جيدًا أن الاستسلام أحياناً يكون خطوة مهمة من خطوات السعي والنجاح!..
أحيانًا تشعر أنك فعلت كل ما بوسعك .. وأنك بالفعل استنفدت جميع قدراتك .. وأن دورك انتهى فعليًا .. وليس الأمر هنا تواكل .. وإنما كل ما ينقصك هو بعض السكون .. و تترك الرضا يأتي.. وثق أنه سيأتي لاشك.. فالمؤمن هو من يوقن بأن كل ما يحدث له إنما مرده إلى الله عز وجل، وعليه في حالات الفرح الشكر، وفي حالات الضر، الصبر، يقول عز وجل يوضح ذلك: «مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (التغابن 11).
هي من عند الله
إذن على كل مسلم، أن يعي أن الله إما يبتليه ليختبره، وإما يعطيه أيضًا ليختبره، وإنما مثل العبد الصالح هو الذي تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم، وقد قال النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم في ذلك: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».. وهو أيضًا الذي يعلم يقينًا أن الخير فيما يقدره الله ويقضيه، فربما كان ما أصاب امرئ مسلم خيراً له، قال تعالى: «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (البقرة 216).
اقرأ أيضا:
أعاقب أطفالي بمنعهم من الأطعمة التي يحبونها.. هل تصرفي خاطيء؟حلاوة الاستسلام
النفس البشرية عجيبة وغريبة، وتفكر فيما لا يمكن التفكير فيه أو تفهمه، لكنها إن فهمت المعنى الحقيقي للاستسلام لله عز وجل، لجلبت عليه، وحافظت وداومت عليه، إلا أنها أحيانًا ما تركن إلى غير الحق، إلا أن المؤمن سرعان ما يعود إلى رشده، لأنه يعلم يقينًا أنه في طريق الله الخلاص، وليس في أي طريق آخر، لذا على كل مسلم أن يترك نفسه إلى الاستسلام لله في كل أمور الحياة، وخصوصًا فيما يَكره الإنسان، فالمؤمن يتعامل مع رب ودود، رحيم حكيم، عليم يعلم ما يصلح الإنسان وما يفسده، قال تعالى: « أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » (الملك: 14).
أيضًا لو تدبر المسلم الكثير من تاريخ المسلمين، لوجد العجب العجاب في استسلام المسلمين لأمر لله دون نقاش، فتكون النتيجة دومًا التوفيق والنصر والنجاح، ومن ذلك موقف المسلمين وكرههم للخروج للقتال يوم بدر، ورغبتهم في الغنيمة فقط، وموقف صلح الحديبية، وغيرها كثير يحتاج إلى تدبر وتفكر، وكلها تنطق بهذه الحقيقة الواضحة: « وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ » (البقرة: 216).