عباد بن بشر.. هذه قصة صلاة "الكهف" التي أوشكت على قتله
بقلم |
أنس محمد |
الجمعة 20 ديسمبر 2024 - 11:29 ص
كان عباد بن بشر، أحد سادات الأوس في المدينة المنورة، يمتد نسله إلى أنه عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل, الإمام أبو ربيع الأنصاري الأشهلي.
إسلامه:
كان عباد بن بشر فتى موفور الشباب غض الإهاب, تعرف في وجهه نضرة العفاف والطهر وتلمح في تصرفاته رزانة الكهول, على الرغم من أنه لم يكن إذ ذاك قد جاوز الخامسة والعشرين من عمره.
التقى به الصحابي الجليل مصعب بن عمير فسرعان ما ألفت بين قلبيهما أواصر الإيمان ووحدت بين نفسيهما كريم الشمائل، فاستمع إلى مصعب وهو يرتل القرآن بصوته الجميل الدافئ, فشغف بكلام الله حبًّا وأفسح له في سويداء فؤاده مكانًا رحبًا وجعله شغله الشاغل فكان يردده في ليله ونهاره وحله وترحاله حتى عرف بين الصحابة بالإمام وصديق القرآن.
أسلم عباد قديماً بالمدينة على يد سفير الإسلام مصعب بن عمير وكان إسلامه قبل إسلام أسيد بن حضير وسعد بن معاذ رضي الله عنهما.
حسن إسلام عباد حتى أن عائشة رضي الله عنها قالت: تهجد النبي في بيتي, فسمع صوت عباد يصلي في المسجد, فقال: "يا عائشة، أصوت عباد هذا؟", قالت: نعم, قال: "اللهم ارحم عباد", وفي رواية: "اللهم اغفر له".
عباد يشهد بدرًا
شهد عباد بن بشر مع الرسول صلى الله عليه وسلم مشاهده كلها, وكان له في كل منها موقف يليق بحامل القرآن.
من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قفل عائدًا من غزوة "ذات الرقاع" نزل بالمسلمين في شعب من الشعاب ليقضوا ليلتهم فيه.
وكان أحد المسلمين قد سبى في أثناء الغزوة امرأة من نساء المشركين في غيبة زوجها, فلما حضر الزوج ولم يجد امرأته, أقسم باللات والعزى ليلحق بمحمد أصحابه, وألا يعود إلا إذا أراق منهم دمًا.
فما كاد المسلمون ينيخون رواحلهم في الشعب حتى قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: "من يحرسنا في ليلتنا هذه؟".
فقام إليه عباد بن بشر وعمار بن ياسر وقالا: نحن يا رسول الله, وقد كان النبي آخى بينهما حين قدم المهاجرون على المدينة.
فلما خرجا إلى فم الشعب قال عباد بن بشر لأخيه عمار بن ياسر: أي شطري الليل تؤثر أن تنام فيه: أوله أم أخره؟ فقال عمار: بل أنام في أوله, ثم اضطجع غير بعيد عنه.
كان الليل ساجيًا هادئًا وادعًا, وكان النجم والشجر الحجر تسبح بحمد ربها وتقدس له فتاقت نفس عباد بن بشر إلى العبادة واشتاق قلبه إلى القرآن, وكان أحلى ما يحلو له القرآن إذا رتله مصليًا فيجمع متعة الصلاة إلى متعة التلاوة.
فتوجه إلى القبلة ودخل في الصلاة وطفق يقرأ من سورة الكهف بصوته الشجي الندي العذب.
وفيما هو سابح في الصلاة أقبل الرجل يحث الخطى، فلما رأى عباد من بعيد منتصبًا على فم الشعب عرف أن النبي صلى الله عليه وسلم بداخله وأنه حارس القوم, فوتر قوسه وتناول سهمًا من كنانته رماه به فوضعه فيه.
فانتزعه عباد من جسده ومضى متدفقًا في تلاوته غارقًا في صلاته.
فرماه الرجل بآخر فوضعه فيه فانتزعه كما انتزع سابقه, فرماه بثالث فانتزعه كما انتزع سابقيه، وزحف حتى غدا قريبًا من صاحبه وأيقظه قائلاً: انهض فقد أثخنتني الجراح. فلما رآهما الرجل ولى هاربًا.
والتفت عمار بن ياسر إلى عباد بن بشر فرأى الدماء تنزف غزيرة من جراحه الثلاثة, فقال له: سبحان الله هلا أيقظتني عند أول سهم رماك به؟!.
فقال عباد: كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها حتى أفرغ منها, وايم الله لولا خوفي أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لكان قطع نفسي أحب إلى من قطعها.
وكان عباد بن بشر على حرس قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غيره من الأنصار يحرسونه كل ليلة, فكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان في أصحابه يومًا ويغدو خالد بن الوليد يومًا ويغدو عمرو بن العاص يومًا ويغدو هبيرة بن أبي وهب يومًا ويغدو ضرار بن الخطاب الفهري يومًا.
وفاة بشر بن عباد:
استشهد بشر بن عباد يوم اليمامةـ والتي خرج فيها المسلمون لملاقاة المرتدين خلال خلافة أبي بكر الصديق.