يعيش الناس خلال شهر شعبان من كل عام، وسط بركات هذا الشهر الطيب، في انتظار تبريكات أخرى أكثر قدرًا في رمضان، لكن كيف يستغل الناس هذه الأيام المباركات خير الاستغلال وعلى أفضل ما يكون؟..
بداية علينا أن نعي جيدًا أن الله بالأساس خلق الجن والإنس ليعبدوه ويوحدوه سبحانه فقط، قال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» (الذاريات: 56)، لذا علينا أن نعمل جاهدين للخروج من هذه الأيام فائزين.. لكن لكي نفوز حقًا علينا بأن نبدأ بتزكية أنفسنا والعمل على تطهيرها وتنقيتها من الشبهات والشهوات، وقد أقسم الله بالنفس البشرية ووعد من زكاها وطهرها من الأمراض بالفلاح والنجاح، وأما من دساها ودنسها فله الخيبة والخسران، قال عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا» (الشمس: 7 - 10).
العمل ثم العمل
بعض الناس يتصور أن هذه الأيام، هي للعبادة وفقط، وهذا غير صحيح على الإطلاق، إذ أن العمل أمر أساسي لتعمير الأرض، ولا يوقف الصيام أو الصلاة، بينما يساعد على إتمامها على أكمل ما يكون، حيث يقول سبحانه: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ» (هود: 61)، ومن ثم فقد أمر سبحانه بإصلاحها والبعد عن أسباب إفسادها وفسادها، فقال ناهيًا لعباده: «وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (الأعراف: 85).
لكن هنا علينا أن نتبين حقيقة العمل الصالح، وليس أي عمل، فالصلاة والصيام عبادات لكنهما خير العمل، ثم الخروج لطلب الرزق الحلال، أو لطلب العلم، كل ذلك من الأمور التي تساعد على تنقية النفس وتزكيتها، ما يجعلنا نخرج من هذين الشهرين الكريمين، ونحن مستغلينهما أفضل استغلال.
لا تتكاسل
إذن عزيزي المسلم، إياك أن تتكاسل خلال هذه الأيام المباركات، وخذ من هذه الأيام الدافع للخروج منها أكثر قربًا من الله عز وجل، وقد ذكرنا القرآن الكريم بقصص أنبياء كرام ما توانى أحدهم عن العمل الجاد، فهذا نبي الله نوح عليه السلام كان يعمل نجارًا، وهذا نبي الله داوود عليه السلام، كان يعمل حدادًا، ونبي الله موسى صلى الله عليه وسلم، كان يعمل راعيًا للغنم بإتقان كما خدم الرجل الصالح في مدين، ورسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم كان تاجرًا صادقًا أمينًا، وكان يعمل في رعي الغنم في سن شبابه وصباه. وهذا مما يبين قيمة العمل الصالح.. وهذا ما يجعلنا نستغل هذه الأيام خير استغلال في العمل الصالح والتقرب إلى الله ليس فقط بالصيام والصلاة وإنما بإعمار الأرض.