قوم لوط كانوا قبائل من البشر يسكنون الأغوار الفلسطينية و الأردنية و كانت القرى التي تأويهم تسمى عمورة و سدوم، و قوم لوط هم نسبةً إلى وجود سيدنا لوط عليه السلام فيهم الذي بعثه الله عز وجل حتى يوحدوه و لا يشركوا به شيئاً.
وكان نبي الله لوط عليه السلام يحثهم على ترك المعاصي و المحرمات و الفواحش التي كانوا يجاهرون بها و العياذ بالله منها، هي علاقات محرمة شرعاً و هي الشذوذ الجنسي أي أن الرجل يأتي شهوته لرجل مثله دون النساء و العياذ بالله، و كان نبي الله لوط يوصيهم بترك الفواحش و المنكر خوفاً من عقاب الله لهم و أفعالهم التي تغضب خالقهم عز وجل.
وكان قوم لوط يرتكبون أعظم الفواحش ويجاهرون بها و كأنها أمر طبيعي للأسف، و الشذوذ في العلاقات الجنسية لم يكن الإثم والجرم الوحيد، بل كانوا يفعلون أخطاء و معاصي كثير أخرى و هي:
كان قوم لوط لا يرحبون بضيف و لا يتطهرون كذلك من نجاساتهم، و حينما أتي الوعد، خرجت الملائكة من عند سيدنا إبراهيم عليه السلام قاصدين قوم لوط عليه السلام، و إذ بهم يرون إحدى ابنتي نبي الله لوط عليه السلام تستقي لأهلها فسألاها عن بيت فطلبت منهم الانتظار.
و جاء سيدنا لوط عليه السلام و أخذ الملائكة إلى بيته يضيفهم و لكن دون علم قومه، و لكن خرجت امرأته خلسه كي تخبر القوم فأتوا لوط حتى يخرج ضيوفه من عنده لكي يفعلوا بهم فاحشة اللواط والشذوذ، و عندما دعا سيدنا لوط ربه أنه وحيداً امام قومه طمأنته الملائكة انهم رسل من عند الله ليهلكوا القوم، و يسلم من الهلام عائلة سيدنا لوط إلا امرأته فإنها من الغابرين، و قبل بزوغ الشمس طالبوا منه السير معهم و أهله و لا ينظرون ورائهم حتى لا يرون ما سيحدث من هلاك، و أتاهم سيدنا جبريل عليه السلام بطرف جناحه فرفع القرى وأتى بها عاليها لسافلها و بعدها نزلت عليهم حجارة من سجيل فأبيدوا عن آخرهم وبقيت قصتهم عبرة للمعتبرين .
وتنتج عن هذه الفاحشة آثار سيئة لا تقتصر على مرتكبها فحسب، بل تتعدى إلى المجتمع الذي ترتكب فيه الفاحشة.
قال ابن القيم رحمه الله: لعظم هذه الفاحشة وخطورتها وصف القرآن الكريم مرتكبها من قوم لوط بأوصاف لم تجتمع في غيرهم من الأمم السالفة، فقد وصفهم نبيهم لوط بالإسراف قال تعالى: }بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ{ الأعراف (81), وبالعدوان قال تعالى: }بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُون{ الشعراء (166)، وبالجهل كما في قوله تعالى: }بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون{ (النمل (55)، وبالإفساد }قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ{ (العنكبوت (30)، ووصفتهم الملائكة الذين ارسلوا لهلاكهم بالإجرام قال تعالى: (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ) العنكبوت (30)، ووصفهم الله تعالى بالإجرام أيضًا كما في قوله تعالى: (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) الأعراف (84)، ووصفهم بالظلم كما في قوله تعالى: (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) هود (83)، ووصفهم بأنهم قوم سوء، وبالفسق أيضًا كما في قوله تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ) الأنبياء (84).
ووصف القرآن الكريم قريتهم بالقرية التي كانت تعمل الخبائث كما في قوله تعالى: (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ) الأنبياء (84), والمراد بها أهلها.
ثم إن العقاب الذي عوقب به قوم لوط كان أشد مما عوقب به غيرهم، فقد جمع الله عليهم قلب بيوتهم، وجعل عاليها سافلها، مع مطر العذاب الذي أُمطروا به وهو حجارة من سجيل منضود.
فقد أمطر عليهم الحجارة، وأتبعهم بعد ذلك أن قلب ديارهم قال تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ) وقوله: (مِّن سِجِّيلٍ)، أي من طين وقد فسره قوله تعالى في موضع آخر (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ) الذاريات (33)، وقوله منضود أي نضد بعضها بعضًا إلى بعض فصارت كالحجارة وهو صفة للسجيل وليس للحجارة ولذلك لم تؤنث ولم تنصب وقوله (مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ) أي معلمة بعلامة هي اسماء أصحابها أو خطوط تميزها عن سائر الأحجار وقد سمى الله تعالى مطر الحجارة الذي أمطر به قوم لوط بمطر السوء كما في قوله تعالى: (ولَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا) الفرقان (40).
قال الطبري: ومطر السوء هو الحجارة التي أمطرها الله عليهم فأهلكهم بها.
وهذا العقاب الذي عوقب به قوط لوط كان جزاء عاجلاً على انكبابهم على الفاحشة واصرارهم عليها، وهو ردع وزجر لغيرهم ممن يأتي بعدهم، وما أعد الله لهم في الآخرة أشد وأخزى.
وقد قال تعالى عقب ذكر هلاك قوم لوط (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) هود (83)، قال ابن كثير: (وما هذه النقمة ممن تشبه بهم في ظلمهم ببعيد عنهم) (أسباب هلاك الأمم السالفة كما وردت من القرآن الكريم، سعيد محمد بابا سبيلا (مرجع سابق) (ص63)، (ص425) ).
لقد نجى الله لوطًا والذين معه وأهلك قومه بفاحشتهم، ومن أعجب ما ذكر القرآن طلب الشواذ إخراج الأسوياء من ديارهم وكانت جريمتهم أنهم قوم يتطهرون كما قال تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) الأعراف (80-83).
وقد جعل الله امرأة لوط مثلا وأنموذجًا للكافرين أهل النار قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) التحريم (11).
لقد وافقت امرأة لوط قومها ولم تنكر عليهم وشايعتهم في فاحشتهم فأدخلها الله النار والعياذ بالله.
وفي عام 2015 سيطر الاهتمام والشغف على علماء الآثار بخبر العثور على ما يميلون إلى أنه بقايا "سدوم" المعروفة إسلامياً بمدينة "قوم لوط" النبي الذي سكن فيها قبل أكثر من 3500 عام، والتي تجمع الكتب السماوية، وأهمها القرآن المفصل ما حدث لها بواقعية علمية، أن قصاصاً إلهياً جعلها وأهلها كأنها لم تكن، ولم ينج منه سوى النبي لوط وعائلته، باستثناء زوجته، وفق ما روى القرآن فصوله بسلسلة آيات موزعة في 9 سور.
ومما يدل على بقاء آثار قرية قوم لوط وتنتهي الآية رقم 35 من "سورة العنكبوت" تشير إلى أن الله أبقى من المدينة على درس وموعظة للأجيال، بقوله: "ولقد تركنا منها آية بيّنة لقوم يعقلون". لكن كثيرين لم يجدوا شيئاً من "سدوم" طوال قرون، إلى أن عثرت بعثة آثار أميركية، ثابرت على التنقيب 10 سنوات في منطقة "تل الحمام" بالأردن، على "الآية" التي طال غيابها، وهي خرائب "سدوم" التي بدأ يتضح أن الحياة "توقفت فيها فجأة" طبقاً لما ذكره البروفيسور Steven Collins رئيس البعثة، وهو من "جامعة ترينتي ساوث ويسترن" بولاية نيو مكسيكو.
هذا الكلام قاله كوللينز في 28 سبتمبر الماضي لأول من نشر خبر العثور على آثار "سدوم" بالجنوب الأردني، وهي دورية Popular Archaeology التي أعدت تحقيقاً معززاً بصور وبيانات اطلعت عليه "العربية.نت" بموقعها، ومنه وصل الخبر إلى وسائل إعلام عالمية ما زالت تتطرق للآن إلى مستجدات ما تم العثور عليه، ووصفه رئيس البعثة بأنه "مبان قديمة وأدوات من مدينة كبيرة جداً كانت في العصر البرونزي (..) كانت دولة ضخمة سيطرت على كل منطقة جنوب غور الأردن" كما قال.
تلك القرية، التي ذكرت التوراة في "سفر التكوين" بأن الله عاقبها بالنار والكبريت "لم تتهدم بكاملها بحسب ما كان متوقعاً" وفق ما أكده كوللينز الذي اعتبر أن ما تم العثور عليه أشبه "بكنز حقيقي في كل ما يخص علم الآثار من ناحية نشوء وإدارة مدن بين 1540 إلى 3500 قبل الميلاد"، مضيفاً أن المعلومات عن الحياة في منطقة غور الأردن بالعصر البرونزي لم تكن متوفرة قبل تنقيبات البعثة الأميركية، ولا وجود حتى لإشارة في معظم الخرائط الأثرية عنها بأن مدينة قديمة كانت فيها.
وشرح أن ما تم العثور عليه هو مدينة بقسمين، علوي وسفلي، وفيها ظهر جدار من الطوب الطيني، بارتفاع 10 وعرض 5.2 أمتار. كما ظهرت بقايا بوابات لمعبد، ومثلها لأبراج، مع ساحة رئيسية، إضافة إلى موقع يبدو أنه كان مميزاً، لأنه كان مدعّماً بحمايات خاصة، وكلها منشآت تطلبت أحجاراً من الطوب بالملايين، إضافة إلى عدد كبير من العمال" إلا أن كل مظاهر الحياة "توقفت فجأة بنهاية منتصف العصر البرونزي" وهو لغز برسم الحل عبر تنقيبات للتعرف إلى ما حدث في "سدوم" وأشار إليه القرآن بما يختلف عن التدمير بنار وكبريت، وكأن كويكباً ارتطم بالمدينة وجعل أسفلها أعلاها، ونجا منه النبي لوط عليه السلام.
وبعض مواقع الانترنت تتداول صورًا لجثث متحجرة عثر عليها علماء الآثار ويزعمون أنها لقوم لوط، ولكن لا يوجد دليل علمي وتاريخي وأثري مؤكد على هذا الأمر حتى الآن.
اقرأ أيضا:
لا صراع بين حقين.. لماذا يذيق الله الناس بأس بعضهم بعضًا؟ (الشعراوي يجيب)اقرأ أيضا:
"واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله".. هل نتقي اليوم.. أو نتقي ما ينشأ في اليوم؟ (الشعراوي يجيب)