تقدمنا الدنيا كلها، حينما كان العلم مرتبط بالدين، وسقنا العالم حينما كنا نقرأ في المصحف، وفي شتى العلوم، حينما كانت دنيانا تأخذ من وقتنا قدر العمل لآخرتنا، أما وقد باتت دنيانا هي التي تأخذ كل أوقاتنا، ضاع دنيانا وآخرتنا.. لكننا لو منحنا أنفسنا القليل من الوقت للقراءة عن عظماء العلم في التاريخ الإسلامي ربما كانت محاولة للعودة إلى ما كنا عليه.

ومن هؤلاء لاشك (جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي) العالم المسلم العبقري الذي برع في علوم الكيمياء والفلك والهندسة وعلم المعادن والفلسفة والطب والصيدلة، والذي يعد أول من استخدم الكيمياء عمليًا في التاريخ.


ويروى أن والده حيان بن عبد الله الأزدي هاجر من اليمن إلى الكوفة في أواخر عصر بني أمية، وعمل في الكوفة صيدلياً وبقي يمارس هذه المهنة مدة طويلة (ولعل مهنة والده كانت سبباً في بدايات جابر في الكيمياء وذلك لارتباط العلمين) وعندما ظهرت دعوة العباسيين ساندهم حيان، فأرسلوه إلى خراسان لنشر دعوتهم، وهناك ولد النابغة جابر بن حيان المؤسس الحقيقي لعلم الكيمياء.

اظهار أخبار متعلقة

مواهب متعددة

كان ابن حيان متعدد المواهب العلمية، وقد نشأ في بغداد وكانت اهتماماته تنصب في مجالات عدة كالموسيقى والكيمياء والخيمياء والطب وغير ذلك، وثمة مئات المخطوطات التي نسبت إليه، ويعتقد أن العلماء المتأخرين نحلوا مخطوطاتهم العلمية باسمه حبًا له وتقديرًا.

كما يعود لابن حيان الفضل في تطبيق نظرية التجريب في الخيمياء، وقد حذا العلماء حذوه واتبعوا التجريب في الكيمياء، وهذا ما شكل قفزة من منهجية التفكير الفلسفي المجرد عند الإغريق إلى إجراء تجارب عملية دقيقة، لذلك احتاج العلماء إلى أدوات تمكنهم من تلك العلوم فابتكروا واخترعوا ما احتاجوه…

محاربة الخرافة

أو تدري عزيزي المسلم، أن الغرب الذي يقود العالم الآن، كان قبل ابن حيان يعتقد في الخرافات التي تقول بأن أصل المعادن واحد، ومن الممكن تحويل أي معدن رخيص إلى ذهب!.. ثم بعد دراسات وأبحاث قام بها ابن حيان اكتشف أنه يستحيل حدوث ذلك، وكان عصره أول العصور التي توقفت عن عملية الخرافة التي تعتقد في تحويل المعادن الرخيصة لذهب.

لذا يعود إلى ابن حيان خصوصًا في كتابه الشهير الفلزات، وعلماء المسلمين الفضل في تطوير اكتشاف بعض العمليات الكيميائية البسيطة مثل: التقطير، والتسامي، والترشيح، والتبلور، والملغمة، والتكسيد.. وبهذه العمليات البسيطة استطاع جهابذة العلم في مجال علم الكيمياء اختراع آلات متنوعة للتجارب العلمية التي قادت علماء العصر الحديث إلى غزو الفضاء.


الخلاصة أن جابر بن حيان هو الذي وضع الأسس العلمية للكيمياء الحديثة والمعاصرة ، وشهد بذلك كثير من علماء الغرب، فقال عنه برتيلو :"إن لجابر في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق".. وقال عنه الفيلسوف الإنجليزي (فرانسيس باكون) : (إن جابر بن حيان هو أول من علم علم الكيمياء للعالم، فهو أبو الكيمياء).

ويقول ماكس مايرهوف : يمكن إرجاع تطور الكيمياء في أوربا إلى جابر ابن حيان بصورة مباشرة. وأكبر دليل على ذلك أن كثيراً من المصطلحات التي ابتكرها ما زالت مستعملة في مختلف اللغات الأوروبية.