يلجأ الكثير من الموظفين والعاملين بمجالات الكمبيوتر أو الكتابة والمراجعة، للعمل في فراش نومهم، مع بقائهم للعمل من المنزل نتيجة الإجراءات الاحترازية ضد انتشار فيروس كوفيد 19، فبدلا من ارتداء الملابس والذهاب إلى المكتب، أصبح الأمر لا يتطلب سوى رش الوجه ببعض الماء، وفتح جهاز الكمبيوتر المحمول، بينما تعيد ترتيب جلستك على السرير لتكون مرتاحا تحت البطانية الدافئة.
حتى أصبح الفراش بالنسبة لعدد مذهل من الناس بمثابة المتجر الذي يمارسون منه تجارتهم الإلكترونية.
وكشفت دراسة أجريت في نوفمبر الماضي، ترجمها موقع " بي بي سي عربي" إن 72 %من بين 1000 شخص في الولايات المتحدة شملتهم الدراسة إنهم أثناء انتشار وباء كورونا قاموا بمهام أعمالهم وهم في منازلهم، وفي الفراش تحديدا، وهذا أكثر بـ 50 في المئة مقارنة بما كان عليه الوضع حين بدأت الجائحة.
وذكر واحد من بين كل 10 أشخاص بانه أمضى معظم، أو كامل "ساعات العمل الأسبوعية" أي ما بين 24 إلى 40 ساعة أو أكثر، في السرير.
وينطبق هذا بشكل خاص على الشباب، ففي المملكة المتحدة، أصبح احتمال أن يكون لدى العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما مكتب وكرسي هو الأقل مقارنة بالعاملين من شريحة عمرية مختلفة، كما أن احتمال اختيارهم العمل من الفراش يعادل ضعف ما قد يفعله الأشخاص الأكبر سنا.
اقرأ أيضا:
مشيمة الماعز تمنع تساقط الشعر الناتج عن العلاج الكيميائيوكشفت الدراسة أن الاتجاه إلى العمل من السرير ليس سببه الافتقار إلى مقعد مناسب فقط، وإنما الأمر ببساطة هو أن كثيرا من الناس يحبون السهولة والشعور براحة السرير ودفئه.
إلا أن الدراسة حذرت من تحويل سريرك إلى مكتب لأنه يؤدي إلى عدد من المشاكل الصحية والنفسية والجسدية. حتى وإن لم تلاحظها الآن، فقد تظهر نتائجها السلبية في وقت لاحق، وقد تكون دائمة.
وحذر الخبراء من الاستسلام لهذا الإغراء، ويقولون إنه بغض النظر عما إذا كان تجنب العمل من السرير ممكنا أم لا، فالنصيحة المفيدة تظل نفسها: هذا غير جيد، لا لجسمك ولا لصحتك، ومن المهم جدا تبديل وضعية الجلوس باستمرار، وكذلك طريقة استناد جسمك، وتغيير الجزء الذي تستند عليه كلما أمكن ذلك.
واكد الخبراء تعرض الرقبة والظهر والفخذين لمزيد من الضغط والاجهاد عندما تكون جالسا على سطح لين يشجع على الاستلقاء أو التمدد.
وتقول سوزان هالبيك، مديرة قسم هندسة نظام الرعاية الصحية في "مايو كلينيك"، وهي إحدى أكبر مؤسسات البحث الطبي في الولايات المتحدة: "ليس هناك أي وضع مناسب في السرير، فجسمك غير مستند بطريقة تساعد على العمل".
وتشير هالبيك إلى أن الشباب بشكل خاص عرضة للوقوع ضحية لهذه العادة السيئة، لأنهم قد لا يشعرون بأضرارها على الفور. لكن الألم سيتصاعد مع الوقت. وتبعا لمدى سوء العادات التي اكتسبت خلال العام الماضي، فقد يكون الضرر قد حدث بالفعل. ويعتمد الأمر على الشخص، لكن قد يكون الوقت قد فات لتدارك المشاكل التي سيتعين مواجهتها مع التقدم في السن والناتجة عن بيئة العمل السيئة.
ويمكن أن تكون هذه الأمراض عبارة عن صداع بسيط، وقد تتوسع لتشمل التصلب الدائم في الظهر والتهاب المفاصل، وما يعرف بآلام العنق، وهو ألم في عظام وأربطة الرقبة وعضلاتها. وتضيف هالبيك: "أي شيء أفضل من الاستمرار في هذه العادة السيئة. ومتى أمكنك التوقف عنها، فتوقف فورا".
وإذا كنت مضطرا لمواصلة العمل من السرير، فتقول هالبيك: "إن السوء له درجات، فعليك أن تجلس كما لو أنك على كرسي ذي ظهر منتصب قدر الإمكان، وحاول اتخاذ وضع محايد، أي تجنب وضع ثقلك على جزء معين من جسمك أو الضغط عليه".
ومن المفيد أيضا ثني وسادة ووضعها أسفل الظهر لدعم منطقة الفقرات القطنية، وكذلك وضع وسائد تحت الركبتين. وإذا كان بالإمكان، حاول فصل شاشة الكمبيوتر عن لوحة المفاتيح، بحيث تكون الشاشة على مستوى نظرك أو أعلى منه. وفي كل الأوائل، تجنب الاستلقاء على معدتك أثناء الكتابة، لأن هذا يتسبب في إجهاد حقيقي للرقبة والمرفقين.
اقرأ أيضا:
عصير يساعد على اختفاء دهون البطن خلال أسبوعولا تقتصر الآثار السيئة المحتملة للعمل في السرير على آلام في الجسم وتراجع في الإنتاجية، بل قد تصل إلى إعادة برمجة العقل حتى يفصل بشكل تام بين السرير والنوم.
وعندما تعمل من الفراش طوال عام كامل، فالنتائج السيئة لا تقتصر على الجسم فقط، وإنما من المحتمل أن يشمل ضررها تراجع إنتاجيتك واضطراب عادات نومك أيضا.
وتقول راشيل سالاس، أستاذة علم الأعصاب وخبيرة النوم في جامعة جونز هوبكنز بولاية ماريلاند الأمريكية: "بوصفنا أخصائيين في اضطرابات النوم والأرق، نوصي بأن يكون السرير مخصصا لثلاثة أشياء: النوم، أو ممارسة الجنس، أو عندما تكون مريضا. فقط، لا غير".
وتضيف: "كلما قضيت مزيدا من الوقت في مشاهدة التلفزيون أو ممارسة ألعاب الفيديو وأنت في الفراش بدلا من النوم، يبدأ عقلك في التعلم، 'حسنا، يمكننا القيام بهذه الأنشطة في السرير'. وهكذا يبدأ بالربط بين السرير وهذه الأشياء، إلى أن يتطور الأمر في النهاية ليصبح من السلوكيات المشروطة"، وهذا يعني أن العقل يصل إلى مرحلة الربط الكامل بين السرير وممارسة أنشطة لا علاقة لها بالنوم.
وهذا يخالف تماما ما يسميه الخبراء بـ "النوم النظيف" (أو النوم السليم)، وهو مصطلح يعني ممارسة أفضل السلوكيات المتعلقة بالنوم. فمثلا، ارتداء البيجاما ليلا يعتبر ممارسة جيدة للنوم السليم، لأنه بمثابة إشارة للجسم بأن الوقت حان للانغلاق عن العالم الخارجي والدخول في حالة النوم، في حين يعتبر البحث عن آخر الأخبار على الإنترنت أو إرسال بريد إلكتروني في السرير من الممارسات التي تخالف قواعد النوم السليم.