من العبارات الشائعة بين الأوساط أن "الأنبياء معصومون".. وأنه "لا عصمة إلا للأنبياء"، وهذه العبارات صحيحة فالأنبياء معصومون من الكبائر كالزنا والسرقة، ومن الصغائر التي تدل على الخسة.
لكن ومع هذا قد يقع منهم الخطأ من الصغائر التي لا تدل على الخسة، لكن لا يقرُّون على ذلك، بل يتداركهم الله تعالى وينبههم عليه فيعودون عنه.
هل يقع الأنبياء في الصغائر؟
يرى العلماء في وقوع الأنبياء في الصغائر أنه جائز أن قعوا فيها عمدا عند الجمهور، خلافا للجبائي وأتباعه، كما تجوز سهوا بالاتفاق، إلا ما يدل على الخسة، كسرقة لقمة، والتطفيف بحبة. لكن المحققين شرطوا: أن يُنهوا عنه، فينتهوا منه.
هل عصمة الأنبياء مطلقة من كل الذنوب؟
بالتحقيق أكد العلماء أن عصمة الأنبياء لا تعني أن الذنب ممتنع منهم، أو أنهم مجبورون، أو سُلبوا القدرة على المعصية، وإن كان هذا قد ورد في تعريف العصمة للبعض، لكنه ليس صحيحا، واعتمدوا في ذلك على قوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي): يدل على مماثلتهم لسائر الناس فيما رجع إلى البشرية، والامتيازُ بالوحي، لا غير)؛ فلا يمتنع صدور الذنب عنهم، كما عن سائر البشر، وقد قرر الشهاب الخفاجي نحو ذلك أيضا. قال: " لو كان كذا، ما استحق المدح والثواب؛ لأنها ليست داخلة تحت الاختيار، وهم مكلفون بالاتفاق".
فالأنبياء إذًا يتركون المعاصي باختيارهم، وهم أكمل الخلق في تحرزهم وتوقيهم من هذه المعاصي، مع إمداد الله لهم وعونه، وتوفيقهم إياهم لذلك وهو المراد بالعصمة.
ولهذا فهم مثابون ممدوحون على عدم الوقوع في المعصية، كما قال تعالى في شأن يوسف عليه السلام: قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ".
الأنبياء من صفوة الخلق:
وبما مر يعرف أن العصمة من خصائص النبوة وأن الأنبياء اختارهم الله تعالى واصطفاهم، وهو أعلم بمن يستحق الاصطفاء والاختيار، وهم قد بلغوا أعلى درجات العبودية، وأسمى مراتب الأخلاق، وأعظم أبواب التضحية، فلا يصل إلى درجتهم أحد؛ ولم يبلغ الأنبياء تلك المقامات لأجل أنهم منعوا من المعاصي، منعا جبريا، بل حباهم الله بعصمته، ولطفه وفضله؛ لأنهم خير الناس، وأتقى الناس، وأعلم الناس بالله، وأعظمهم هيبة وإجلالا له، وأقومهم بأمره، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.