في الشتاء، يكثر أمران يعتادهما الناس للأسف، وهما الأكل والنوم الكثير، إذ ترى كثيرًا من الناس، يتحدث عن أهمية الأكل وضرورتها للحصول على الدفء في البرد، ويضيف على هذه السمة السيئة، النوم الكثير، وكأن الدفء لن يأتي إلا بهذين الفعلين السيئين، ولا يدري هؤلاء أن هذين الفعلين لهما مساوئ عديدة، أهمها: قسوة القلب، وفي ذلك يقول الفضيل بن عياض: «خصلتان تقسيان القلب كثرة النوم وكثرة الأكل».
لكن ما الرابط بينهما، يقول العلماء وأهل الخبرة: إن كثرة النوم تنشأ في الغالب عن كثرة الأكل، وفي ذلك يقول الإمام ابن الجوزي: «الشبع يوجب ترهل البدن وتكاسله، وكثرة النوم وبلادة الذهن، وذلك بتكثير البخار في الرأس حتى يغطي موضع الفكر والذكر، والبطنة تذهب الفطنة وتجلب أمراضا عسرة. ومقام العدل أن لا يأكل حتى تصد الشهوة وأن يرفع يده وهو يشتهي الطعام، ونهاية المقام الحسن قوله عليه الصلاة والسلام: ثلث طعام، وثلث شراب، وثلث نفس. والأكل على مقام العدل يصح البدن، ويبعد المرض، ويقلل النوم، ويخفف المؤنة».
اظهار أخبار متعلقة
هنا الدواء
الأغرب أن في التقليل من الأكل، الدواء اللازم للعديد من الأمراض، وفي ذلك يقول القاضي شمس الدين ابن مفلح -وهو أهم تلاميذ الإمام ابن تيمية-: «الأزم دواء -الأزم الإمساك عن الأكل-، ومراده الجوع، وهو من أجود الأدوية في شفاء الأمراض الامتلائية كلها، وهو أفضل في علاجها من المستفرغات إذا لم يخف من كثرة الامتلاء وهيجان الأخلاط وحدتها وغليانها. وقد روى أبو نعيم في الطب النبوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: صوموا تصحوا».. وأيضًا من مكاره الشتاء ليست المشقة في برودة الماء فقط، وإنما في نزع الألبسة الثقيلة، ثم بلوغ الماء أجزاء عديدة من الجسم للوضوء، فكان رضا المؤمن بالعبودية لله تعالى مذللا لهذه الصعاب، مسهلا لتلك المشاق.
استغلال الشتاء
فإلى أولئك الذين يستغلون الشتاء في الأكل والنوم، نقول لهم: إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يرون في الشتاء أفضل وقت لاستغلال التقرب إلى الله، ففيه الصيام سهل، ويطول الليل للقيام، وفي ذلك يقول الإمام الحسن: «نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه»، وهو ما أكده سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه في قوله: «ألا أدلكم على الغنيمة الباردة ، قالوا : بلى، فيقول : الصيام في الشتاء»، هؤلاء عرفوا أين الفضل الحقيقي، فاستغلوه، بينما نحن الآن نبحث عن (ملء المعدة)، ثم نجري خلف الأطباء بحثًا عن دواء، ولا نجد سوى مزيد من الآلام والسهر في أعراض هذا المرض دون فائدة.