تعتبر غزوة ذات السلاسل من أبرز أحداث شهر جمادى الآخرة من السنة الثامنة من الهجرة في السيرة النبوية الشريفة رغم أحداثها القصيرة, وفيها أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه على رأس جيش ضم ثلاثمائة مقاتل من المسلمين لتغيير موقف القبائل العربية التي اجتمعت مع الروم ضد المسلمين, حيث كانت جدة الصحابي عمرو بن العاص منهم فأراد صلى الله عليه وسلم إرساله لتأليفهم وتغيير موقفهم من المهاجرين والأنصار, فخرجت له بعض جموعهم فطلب المدد فأمده صلى الله عليه وسلم ثم مر عمرو بمن معه في تلك الأراضي حتى وجد جمعاً في آخرها فدارت بينهم مناوشة انتصر فيها حتى تفرقوا  ثم عاد بالجيش آمنا.

 وعن أحداث غزوة ذات السلاسل قال المباركفوري في الرحيق المختوم: لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموقف القبائل العربية ـ التي تقطن مشارف الشام ـ في معركة مؤتة من اجتماعهم إلى الرومان ضد المسلمين، شعر بمسيس الحاجة إلى القيام بحكمة بالغة توقع الفرقة بينها وبين الرومان، وتكون سبباً للائتلاف بينها وبين المسلمين، حتى لا تتحشد مثل هذه الجموع الكبيرة مرة أخري‏.‏ واختار لتنفيذ هذه الخطة عمرو بن العاص رضي الله عنه ؛ لأن أم أبيه كانت امرأة من بَلِي‏.‏ فبعثه إليهم في جمادي الآخرة سنة 8 هـ على إثر معركة مؤتة ؛ ليستألفهم، ويقال‏:‏ بل نقلت الاستخبارات أن جمعاً من قُضَاعَة قد تجمعوا، يريدون أن يدنوا من أطراف المدينة، فبعثه إليه، ويمكن أن يكون السببان اجتمعا معاً‏.‏

وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه لواء أبيض، وجعل معه راية سوداء، وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، ومعهم ثلاثون فرساً، وأمره أن يستعين بمن مر به من بَلِي وعُذْرَةَ وبَلْقَيْنِ‏.‏ فسار الليل وَكمَنَ النهار، فلما قرب من القوم بلغه أن لهم جمعاً كثيراً، فبعث رافع بن مَكِيثٍ الجُهَنِي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في مائتين، وعقد له لواء، وبعث له سراة المهاجرين والأنصار ـ فيهم أبو بكر وعمر ـ وأمره أن يلحق بعمرو، وأن يكونا جميعاً ولا يختلفا‏.‏ فلما لحق به أراد أبو عبيدة أن يؤم الناس، فقال عمرو‏:‏ إنما قدمت على مددا، وأنا الأمير، فأطاعه أبو عبيدة، فكان عمرو يصلي بالناس‏.‏

وسار حتى وطئ بلاد قُضَاعَة، فدوخها حتى أتي أقصي بلادهم، ولقي في آخر ذلك جمعاً، فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد وتفرقوا‏.‏ وبعث عوف بن مالك الأشجعي بريداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بقفولهم وسلامتهم، وما كان في غزاتهم‏.‏

وذات السلاسل ‏[‏بضم السين الأولي وفتحها‏:‏ لغتان‏]‏ بقعة وراء وادي القُرَي، بينها وبين المدينة عشرة أيام‏.‏ وذكر ابن إسحاق أن المسلمين نزلوا على ماء بأرض جُذَام يقال له‏:‏ السلسل، فسمي ذات السلاسل‏.

اقرأ أيضا:

اقرأ أيضا:

‏