دائمًا ما يكون بعض الناس عرضة لخسارة المقربين من أصحابه، نتيجة بعض المواقف التي يتعرض فيها بالخوض مع الخائضين في سيرة غيره، خاصة إذا كان غيره هذا من أعز أصدقائه، إلا أنه ونتيجة خجله من أن ينهى جليسه من الخوض معه في سيرة من يحبه، في الوقت الذي نهى فيه الإسلام عن التطاول على الناس عن طريق اللسان بالسب والقذف وتوجيه الكلام القبيح الذي يعيب الناس ويؤلمهم.
وفي ذلك نبه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: (لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك) رواه البخاري ومسلم.
والهمز واللّمز هما من صور الغيبة المحرّمة التي نهى عنها الشارع الحكيم، حيث جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: « أنّه قيل: يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه. ».
فالغيبة هي أن يذكر الإنسان أخاه بشيء يكرهه متعرف ما هو فيه، أمّا إن لم يكن فيه فهذا يعتبر من البهتان، وهو أشد حرمة من الغيبة نفسها، فالواجب على كل المسلمين الحذر من الغيبة والبهتان.
وجاء ذكر الهمز واللمز في القرآن الكريم في قوله تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) } [الهمزة: ?]، وفي قوله: { هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) } [القلم: 11].
ويتبين مما سبق أن هناك ثلاثة اتّجاهات للتفريق بين الهمز واللّمز، وهي: الاتّجاه الأول: أنّ الهمز: هو التكلّم على شخص معين بما يكره في وجهه، واللّمز: هو التكلم على شخص معين بما يكره سرًا من وراء ظهره.
والاتجاه الثاني: أن الهمز يكون بالقول، واللّمز بالفعل.
اقرأ أيضا:
عبد الله مخلصا 500عام وقذف في النار .. هذا هو السبب .. اللهم ادخلنا الجنة بفضلك وليس بعدلكأما الاتجاه الثالث: فهو عكس الاتجاه الثاني، وهو أن الهمز: أن تعيبه بأفعالك عن طريق الإشارة بالعين أو الرأس أو الشفة، واللمز: هو أن تعيب شخصًا ما بالقول سواءً في وجهه أو من وراء ظهره.
وينبغي على العاقل أن يحفظ لسانه ويتخير ألفاظه حتى لا يقع في المهالك. لأنه كما يستر الثوب الجسد كذلك اللسان يستر عقل الإنسان، وكثيرا ما تسببت فلتات اللسان في الهلاك للإنسان.
وحفظ اللسان من الصمت بقبيح الكلام الذي يجلب غضب الله عز وجل فرض عين على كل مسلم ومسلمة. لأنه من الإيمان. كما جاء في السنة النبوية فيما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – قال (قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم- من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيرا أو ليصمت) رواه البخاري ومسلم.
وقديما قال الحكماء: في الصمت السلامة وفى التكلم الندامة. وإذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.
وعلى العاقل أن يربأ بنفسه عن مواقف الاعتذار فلا يطلق العنان للسانه يتكلم أي كلام حتى لا يجر على نفسه الوبال ويضع نفسه في مواقف حرجة. وفي الأمثال السائرة. لسانك حصانك أن صنته صانك وإن أطلقته أهانك.
وجاء في السنة النبوية عن أم حبيبة -رضي الله عنه- الله عنها عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا الأمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله تعالى) رواه الترمذي.
وعن أبي سعيد -رضي الله عنه-عن النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا قائما نحن بك فإن استقدمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا) رواه الترمذي، ومعنى تكفر اللسان: أي تخضع وتذل له بالقول نصحا وتحذيرا – فنجاة الإنسان في حفظ لسانه عن التكلم بما يغضب الله والناس.
وكثرة الكلام القبيح البذيء تميت القلب وتجعل الصدأ يعلوه والقسوة والنفاق يحلان فيه فيبعد عن ربه وينسى دينه وتعاليم نبيه ويمل سماع الطيب من القول ويحب البذاءة والتطاول على الناس، وقد نهي الدين الإسلامي معتنقيه وشدد عليهم بأساليب شتى عن البعد عن السفاهة وقبح الكلام وأمرهم بألا يضعوا في المهالك ويخسروا الدنيا والآخرة إذا لم يبتعدوا عن الصفات الرديئة التي تورث العدواة والكراهية والحقد وتفشي الفساد في المجتمع. والله تبارك وتعالى يريد لبعاده أن يتصفوا ويتحلوا بمكارم الأخلاق وصدق اللسان.
لذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: أتدرون ما الغيبة. قالوا الله ورسوله أعلم. قال: (ذكر أخاك بما يكره). قيل: أفرأيت إن كان في آخي ما أقول. قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وان لم يكن فيه فقد بهته) – رواه مسلم وأبو داود – أي رميته بالبهتان وهو الباطل وذلك ظلم يجلب سخط الله.
كما نهي الإسلام عن أن يكون للإنسان لسانين -يعني صاحب وجهين- يلقي كل طائفة بما يرضيها ويظهر لها أنه معها ومخالف لغيرها وهذا من صفات المنافقين الذين قال فيهم القرآن الكريم “مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ” (النساء:143) – وفي السنة النبوية قال عليه السلام – (من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار) رواه أبو داود.
و الإمام على -رضي الله عنه- يقول: أن لسان المؤمن من وراء قلبه. وأن قلب المنافق من وراء لسانه. لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلام تدبره في نفسه. فإن كان خيرا أبداه. وان كان شرا واراه.
أما المنافق فيتكلم بما أتى على لسانه لا يدري ماذا له وماذا عليه. ولقد قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه. ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه) يعني أن لسان الإنسان تابع لاعتقاده فإن كان مؤمنا نطق بالصدق والحق وقال ما اعتقده القلب.
اقرأ أيضا:
آيات قرآنية.. الملاذ الآمن عند التعرض للابتلاء