من يسير في الكون بلا غاية ربما يصل لكن إلى الطريق الخطأ بخلاف من يعرف أين يتوجه ومتى يقوم ومتى يتكلم ويحسب لما يعمله ألف حساب فإنه سيدرك الغاية التي يرجوها.
المؤمن حاله في هذه الدنيا كحال المتأهب للآخرة فهو يعيش في الدنيا وعيناه ترمق الآخرة.. الجنة تشغله .. والنار أيضًا.. يحسب لما يفعله ألف حساب ويحاسب نفسه على ما بدر منه من أفعال وأقوال.
ويحصل المؤمن ثواب الآخرة بعبادات كثيرة وطاعات ومنها العبادة الصامتة.. عبادة التفكر في آلاء الله ونعمه وما خلق وما برا وما ذرأ من الحرث والنعم وآيات الآفاق والأنفس كلها تشهد بانها من لدن عليم خبير يعلم السر وأخفى لا تضره معصية ولا تنفعه طاعة.
التفكر.. العبادة الصامتة:
إن
التفكر في نعم الله واستشعار قيمتها في وجودها وقبل فقدها من أعظم العبادات بل هي الوسيلة الأفضل والأروع لشكر الله وحمده وتفوق تحرك اللسان بأذكار الحمد ومن الأقوال المأثورة ما معناه تفكر ساعة خير من عبادة ألف ساعة.
ولعل جائحة فيروس كورونا جعلتنا ندرك نعمة التنفس الطبيعي الإلهية العظيمة المجانية بدون أجهزة صناعية أصبحت تكلف المرضى اليوم عشرات وربما مئات آلاف من الجنيهات أو غيرها من عملات العالم لكي تستمر عملية التنفس.. وقس على ذلك الكثير من اجهزة الجسم ومنها الكلى التي تغسل بطريقة طبيعية ربانية ربما اكثر من 30 مرة في اليوم في حين يتكلف غسلها صناعيا مرتين في الاسبوع مئات أو آلاف الجنيهات.. وغيرها الكثير من اجهزة جسم الإنسان التي تعمل ليل نهار دون ان تكلفنا اي طاقة ذهنية او مالية وتنطق وتشهد ببديع صنع الله وعظمة نعمه وآلائه.
إن شعور الاعتياد على وجود النعم واستقبالها بلا تفكر ولا حمد صورة ودرجة من درجات الجحود بفضل الخالق المنعم عز وجل وقد يكون سببا لزوال هذه النعم في بعض الاحيان فتكون الحسرة والندم.
عبادة التفكر للأطفال:
وتعلم
التفكر في خلق الله للأطفال ليست بالأمر الصعب، إذ إنه من اليسير أن تقول لطفلك انظر لنفسك لأنفك لفمك للسانك ليدك، ثم تقول له هي من صنع الله، أعطاك إياها لكي تستخدمها فقط في الخير وعبادته، قال تعالى: « وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ » (الذاريات: 21)، أيضًا أثناء تناول الطفل لطعامه من الممكن أن تلفت انتباهه إلى أهمية الطعام وقدرة الخالق على مد البشر به ورزقهم إياه، فيتعلم كيف يصونه ويحفظه، كما يتعلم من يقف وراء خلقه، قال تعالى: « فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ».
الصالحون.. والتفكر في الكون:
من يتأمل سير الصالحين يجدها عامرة بما يريح القلوب ويجدد الإيمان ذلك لأن لديهم حصيلة ذاخرة من الإيمان بالله تعالى حصلوا جزاء كبيرا منها في الخلوات حيث صفاء النفس و
التفكر في آلاء الله تعالى ونعمه، يقول عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة -رضي الله عنها-، فقال ابن عمير: حدّثينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت، وقالت: قام ليلة من الليالي، فقال: يا عائشة، ذريني أتعبّد لربي، قالت: قلت: والله، إني لأحبّ قربك، وأحب ما يسرّك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي؛ حتى بلّ حجره، ثم بكى، فلم يزل يبكي؛ حتى بلّ الأرض، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا؟ لقد نزلت عليّ الليلة آيات، ويل لمن قرأها ولم يتفكّر ما فيها: (إن في خلق السموات والأرض ...) رواه ابن حبّان. وقال في السلسلة الصحيحة: وهذا إسناد جيد.
ولقد نص كثيرًا من العلماء على أن التفكّر المفضي إلى حصول الإيمان بالله وقدرته، وأنه وحده الخالق المدبر، والنافي للشك في ذلك، واجب؛ فإن الله أنكر على المشركين عدم تفكّرهم وغفلتهم؛ حتى صاروا إلى ما صاروا إليه من النكران والجحود، قال الرازي: ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: أَفَلا تَذَكَّرُونَ. دَالًّا بِذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ التَّفَكُّرِ فِي تِلْكَ الدَّلَائِلِ الْقَاهِرَةِ الْبَاهِرَةِ. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّفَكُّرَ فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالِاسْتِدْلَالَ بِهَا عَلَى جَلَالَتِهِ، وَعِزَّتِهِ، وَعَظَمَتِهِ، أعلى المراتب، وأكمل الدرجات.