فتاوى السلف الصالح فيها من الحكم العظيمة والتدبر والفهم العميق للقرآن الكريم فقد حدث أن أحد جلساء الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور والمقربين منه كان عيسى بن موسى الهاشمي يحب زوجته حباً شديداً فقال لها يوماً: أنت طالق ثلاثاً إن لم تكوني أحسن من القمر!؟ فنهضت المرأة واحتجبت عنه، وبات الرجل ليلة ليلاء عظيمة، ولما أصبح غدا إلى الخليفة المنصور فأخبره الخبر ثم قال: يا أمير المؤمنين إن تمّ عليَّ طلاقها تصلّفت نفسي غمّاً، وكان الموت أحب إليّ من الحياة، وأظهر للمنصور جزعاً عظيماً.
فاستحضر الخليفة الفقهاء، واستفتاهم، فقالوا: لقد وقع الطلاق!. إلاّ رجل من أصحاب الإمام أبي حنيفة النعمان، فإنّه كان ساكتاً فالتفت إليه المنصور قائلاً: مالك لا تتكلّم؟ فأجاب: وكأني بهؤلاء العلماء لم يتدبروا القرآن الكريم؟ فقال الخليفة: وماذا يقول القرآن؟ قال الرجل: يقول القرآن: «والتين والزيتون وطور سينين، وهذا البلد الأمين، لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم»، يا أمير المؤمنين: إن الإنسان أحسن الأشياء بنص القرآن، ولا شيء أحسن منه ولو كان القمر.
فتعجّب المنصور من هذا الفقه الرّشيد والاستنباط السّديد، والتفت إلى الفقهاء قائلاً: ماذا تقولون في ما قاله صاحب أبي حنيفة فأجابوا: القول ما قاله الحنفي يا أمير المؤمنين ثم قال الخليفة لعيسى بن موسى الهاشمي: الأمر كما قال، فأقبِل على زوجك.
وأرسل أبو جعفر المنصور إلى زوجة الرّجل أن أطيعي زوجك، ولا تعصيه، فما طلّقكِ لأنك» أنت أجمل من القمر».
وصدق الله إذ يقول: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر".
اقرأ أيضا:
حوار بين الأستاذ وتلميذه النجيب حاتم الأصم.. 8 مسائل فيها خلاصة العلم وحكمة الوجوداقرأ أيضا:
وقفات مع النفس .. اتعظ لآخرتك من عمل الطير والحيوان