(أعيش مع صديقي في الغربة.. وكان دائمًا ما ينسى شحن تليفونه الخاص، فكنت أنا أتولى ذلك بدلا عنه.. حتى تعود على الأمر لدرجة أنه حينما نسيت يومًا غضب مني غضبًا شديدًا.. أقوم بترتيب سرير شقيقتي الصغرى دومًا، وهي تتابع هذا الأمر كأنه أصبح لزاما عليّ ذلك، فلما نسيت يومًا لامتني جدًا وغضبت مني.. تعودت أن اتصل بصديق لي اطئمن عليه، وحينما احتجت إليه لم يتصل هو ولو مرة واحدة.. تعودت أن أتحمل غضب صاحبي، ولما اعترضت مرة قاطعني للأبد.. تركت حقي في إيجار لي من إرث أبي، وحينما ضاقت بي الدنيا وطالبت به، غضب أشقائي مني جدًا وقاطعوني..).. هذه بعض من مواقف عديدة تمر على كثير منا يوميًا يعتبرها أصحابها أنها حق مكتسب مع الوقت، رغم أنها كانت فضل لا أكثر.
التنازل عن الحقوق
ما فات كله سلسلة لا تنتهي من مواقف يتحملها البعض، من باب الفضل، أو من باب نحن أهل أو أصدقاء، أو لا فرق بيننا، ثم تكون النتيجة أن يعتبرها الطرف الآخر (حق مكتسب له)، وكأن كل من يأتي على نفسه ويفضل غيره عليه ويحمل عنه، عليه أن يظل هكذا العمر كله، وإلا يلام ويكون إنسان سيء..
علينا جميعًا أن نعي أن هناك فرق كبير بين سعة الصدر، والتنازل عن الحقوق، فأما الأولى فهي ملزمة لجميع المسلمين، أما الثانية فغير مطلوبة إلا في أمور بعينها، لكن في كل الأحوال إياك أن تتصرف وكأن (خدك مداس لأحدهم)، لأن من اعتاد ذلك، لا يمكن أن يرفعه الناس يومًا.
اقرأ أيضا:
زوجتي طفلة كلما غضبت خاصمتني وذهبت لبيت أهلها.. ماذا أفعل؟صاحب القلب الطيب
عزيزي المسلم، كن طيب القلب، لا غبار على ذلك أبدًا، بل أن أصحاب هذه القلوب في عليين مع الصديقين والشهداء، لكن لا تكن إمعة لأحدهم مهما كانت الظروف، فعن عبدالله بن عمرو، قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال صلى الله عليه وسلم: «كل مخموم القلب صدوق اللسان»، قيل: (صدوق اللسان) نعرفه، فما (مخموم القلب)؟ قال عليه الصلاة والسلام: «هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد».. والإمعة هو الإنسان الذي ليس له مبدأ وليس له رأي، وهذا عيب خطير حذرنا منه النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الصحيح أنه قال: «لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا».