من دواعي محبة النبي صلى الله عليه وسلم، خصائصه وخصاله العظيمة، ويكفينا في ذلك قول الله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [سورة القلم: 4]، وقد أظهرت الأكوان كلها حبها للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ في منشئه وفي وجوده.
ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم فرض لازم على كل مسلم حباً صادقاً مخلصاً؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وقد وعى الجماد قيمة هذا الحب قبل الإنسان نفسه.
حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا وقال: (إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ. إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ) إنه يعلمه ويشاهده ويسمعه وهو يسلم عليه؛ تثبيتًا لفؤاده الشريف، وإكرامًا لمقامه عند ربه، وتدريجًا له للاتصال بعالم الغيب.
لذلك حب النبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مؤمن، فعن أنس -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))، فالرسول- صلى الله عليه وسلم- يستحق المحبة العظيمة بعد محبة الله -عزوجل-كيف لا وهو من أرانا الله به طريق الخير من طريق الشر، كيف لا وهو من عرفنا بالله –عزوجل-، كيف لا وهو من بسببه اهتدينا إلى الإسلام، أفيكون أحد أعظم محبة بعد الله منه؟!!.
مخلوقات بكت شوقًا لحبه صلى الله عليه وسلم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب فجاء رومي فقال: ألا نصنع لك شيئا، تقعد وكأنك قائم؟ فصنع له منبرا له درجتان، ويقعد على الثالثة -والمنبر الذي في المدينة الآن مكان ذلك المنبر الشريف، فلما صنع المنبر فتحوّل إليه حن الجذع، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتضنه فسكن وقال: (لو لم أحتضنه لحّن إلى يوم القيامة) حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن؛ يعني الجذع .
حن الجذع حنينًا سمعه من في المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم وصفه ربه بأنه { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } للجن والإنس والجماد والحيوان ،والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قال: (إنما إنا رحمة مهداة)، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قال: (الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) فنزل النبي ﷺ بقدره الجليل، واحتضن هذا الجذع حتى سكن وهو يقول -والصحابة تسمع-: (أفعل إن شاء الله . أفعل إن شاء الله)، وقال: (والله لو لم أحتضنه لبقى في حنينه إلى يوم القيامة) ودفن النبي صلى الله عليه وسلم الجذع وسأله الناس: تفعل ماذا يا رسول الله ؟ قال: (سألني أن يكون رفيقي في الجنة فقلت: أفعل إن شاء الله) أي أنه يدعو ربه - سبحانه وتعالى - ، يدعو ملك الملوك أن يصاحبه هذا الجذع في الجنة.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهاجمل يشتكي للنبي صلى الله عليه وسلم:
عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: (أردفني (حملني) رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه، فأسر إليَّ حديثاً لا أخبر به أحداً أبدا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل (مجموعة)، فدخل يوما حائطاً (بستانا) من حيطان الأنصار، فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه، قال بَهْز وعفان: فلما رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وذرفت عيناه، فمسح رسول الله لى الله عليه وسلم سَرَاته وذِفْراه (ظهره وأذنيه) فسكن، فقال: من صاحب الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: أما تتقى الله في هذه البهيمة التي ملككها الله، إنه شكا إلىَّ أنك تجيعه وتدئبه (تتعبه)).
الجبل والشجر والحجر يسلم
وعن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: (بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلا، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت شجرة استأذنت تشق الأرض حتى غشيته، ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ ذكرت له ذلك، فقال: هي شجرة استأذنت ربها عز وجل أن تسلم عليّ فأذن لها) رواه أحمد.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ـ أي حجر ـ ولا شجر، إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله) رواه الترمذي وصححه الألباني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أُحُداً جبل يحبنا ونحبه) رواه مسلم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (صعد النّبي صلى الله عليه وسلم إلى أُحُد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله قال: اثبت أحد، فما عليك إلّا نبيّ، أو صدّيق، أو شهيدان) رواه البخاري.
أنطق حب النبي صلى الله عليه وسلم الحجر، وحرك الشجر، وأبكى الجذع، وأسكب دمع البعير، وحرّك الجمادات والنباتات شوقاً إليه وفرحاً به.. إنها آيات ومعجزات لنبينا صلى الله عليه وسلم حدثت له في حياته ورآها أصحابه، وثبتت في صحيح الأخبار، فيجب تصديقها والإيمان بها، وهي من جملة دلائل نبوته، وإذا كانت هذه المخلوقات التي لا تعقل تحبه وتشتاق إليه، وتطيعه وتمتثل أمره فكيف بمن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من البشر.
يقول الحسن البصري: حنَّ جذع إليك وهو جماد فعجيب أن يجْمَدَ الأحياءُ