عادات وصفات الشعوب أكثر من الخيال، فمنهم من يشتهر بالبخل ومنهم من يشتهر بالكرم، وغيره بالحماقة، وآخرون بالشجاعة وهكذا.
ومن عجيب ما روي في ذلك عن أهل طوس، حيث حكي عن الأصمعي قال: " أبخل أهل خراسان أهل طوس، وكانت قرية من قراها قد اشتهر أهلها بالبخل، وكانوا لا يكرمون ضيفا، فبلغ ذلك واليا من ولاتهم، ففرض عليهم إكرام الضيف.
وأمرهم الوالي أن يضرب كل رجل منهم وتدا في المسجد الذي يصلي فيه، وقال: إذا نزل ضيف فعلى أي وتد علق سوطا أو ثوبا فضيافته على صاحب الوتد.
أبخل الناس
وكان فيهم رجل مفرط البخل، فعمد إلى عود صلب، فملسه وحدده وصيره في زاوية المسجد، ووتده منصوبا ليزل عنه ما علق عليه، فدخل المسجد ضيف، فقال في نفسه: أن يكون هذا الوتد لأبخل القوم، وإنما فعل هذا هربا من الضيافة.
فعمد إلى عمامته، فعقدها على ذلك الوتد عقدا شديدا، فثبتت، وصاحب الوتد ينظر إليه قد سقط في يديه، فجاء إلى امرأته مغتما، فقالت: ما شأنك؟ فقال: البلاء الذي كنا نحيد عنه، قد جاء الضيف ففعل كذا وكذا.
فقالت: ليس لنا حيلة إلا الصبر، واستعانة الله عليه.
وجعلت تعزيه، واجتمع بناته وجيرانه في حزن لما حلّ به، وكان أمر الضيف عندهم عظيما، فعمد إلى شاة فذبحها، والى دجاجة فاشتواها، والى جفنة فملأها ثريدا ولحما، فجعلت امرأته وبناته وجاراته يتطلعن من فتحات الأبواب والأسطح إلى الضيف وأكله، وجعلوا يتبادرون: قد جاء الضيف، ويلكم، قد جاء الضيف.
فتناول الضيف عرقا من ذلك اللحم ورغيفا، فأكله ومسح يده وحمد الله عز وجل، وقال: ارفعوا، بارك الله عليكم، فقال صاحب البيت: كل يا عبد الله، واستوف عشاءك، فقد تكلفنا لك.
قال: قد اكتفيت.
فقال: هكذا أكل الضيف مثل أكل الناس لا غير؟ قال: نعم.
قال: ما ظننت إلا أنك تأكل جميع ما عملناه وتدعو بغيره.
فكان ذلك الرجل بعد ذلك لا يمر به ضيف إلا استضافه.
ومن عجيب ما حكي في ذلك عن العرب أن رجلا كان يحلب دوابه بفمه، حتى لا يسمع صوت اللبن نازلا من الضرع في الإناء، فيعلم الجيران، فيسألوه بعضا من اللبن.
اقرأ أيضا:
من عجائب إكرام الضيف| أكل عنده الشافعي فأعتق الجارية فرحًا