ليس هناك لحظات أصعب في حياة الإنسان من لحظات سكرات الموت، التي نغفل عنها في أوقات كثير من حياتنا نتيجة هرولتنا وراء متع هذه الحياة الفانية، ويصيبنا رعب كبير حينما نتفكر في هذه اللحظات العصيبة، حينما نصبح بين أيادي الله لا نملك لأنفسنا ضرا ولانفعا، ولا تنفع معنا أية إسعافات لتهوين هذه اللحظات العصيبة إلا من أتى الله بقلب سليم، ووفر له عمله فرصة تهوين هذه السكرات العصيبة.
وتسمى هذه اللحظات العصيبة بسكرات الموت وهي لحظة خروج الروح من الإنسان، ولقد قال تعالى في كتابه الكريم عن الموت: "وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد" فسكرة الموت هي من أشد العواقب التي يواجهها الإنسان قبل رحيله عن هذه الدنيا.
ويمر الإنسان بمرحلة سكرات الموت وهي أصعب وأقسى المراحل فيكشف الغطاء عن بصره كما قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: "{فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ }"، فيرى الإنسان حوله ملائكة الرحمة وملائكة العذاب يتناقشون في حاله، وهو ينتظر من الحكم وكيف سيكون ذلك هل سيكون من أهل الرحمة فتقبضه ملائكة الرحمة، أم أنه سيكون والعياذ بالله من أهل النار فتقبضه ملائكة العذاب بكل قسوة.
وتحمل سكرات الموت الكثير من الآلام والمواجع التي تحيط بالإنسان، فمن جهة يشعر الإنسان بالمرض والذي قد يكون السبب في موته، ومن جهة أخرى يشعر الإنسان بالضعف وقلة الحيلة وعدم القدرة على التحرك بسبب هذا الألم الشديد الذي يتملكه، ومن جهة أخرى يشعر الإنسان بصعوبة بالغة جدا في نطق الكلمات وإخراجها من الفم، وحتى أنه من جهة أخرى يواجه حزن الأهل والأحبة والأصدقاء وبكائهم عليه مما يزيد من حالته سوءا ويزيده خوفا وهلعا.
علامات سكرات الموت
1) يرى المحتضِر ملك الموت يقف أمامه فإذا كان من أهل الإيمان، فإنه يرى هذا المَلَك بأحسن صورةٍ، كما يرى الملائكةَ يحملون أكفانًا من الجنة، فيقترب مَلَك الموت منه ويجلس عند رأسه ويقول له: يا فلان أبشر برضى الله عليك، فيرى منزلته في الجنة، فيقول مَلَك الموت مخاطبًا روح المحتضِر : يا أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرةٍ من الله ورضوانٍ. أما إذا كان المحتضِر من أهل الشقاء فإنه يرى مَلَك الموت بصورةٍ مفزعةٍ مخيفةٍ ويرى ملائكةً من حوله يحملون أكفانًا من نارٍ فيقترب مَلَك الموت منه ويجلس فوق رأسه ويبشره بسخط الله فيرى منزلته من النار، ويقول مَلَك الموت مخاطبًا روحه: اخرجي أيتها الروح الخبيثة أبشري بسخط الله وغضبه.
2) ينهار المحتضِر عند رؤية مَلَك الموت ويفقد الوعي ويستسلم لليقين، ويحصل له غثيان ولا يستطيع الكلام، فهو يسمع ولا يستطيع أن يتكلم، كما أنه يرى ولا يستطيع أن يعبّر عما يرى إذ تبدأ أجهزة جسده بالتوقف عن العمل.
3) تحصل اضطراباتٌ بقلبه وعدم انتظام بضرباته فيصحو أحيانًا وأحيانًا يذهب في غيبوبةٍ.
4) يَشخُصُ بصره نحو السماء ويبدأ شخوص بصره بالتوقف والثبات.
5) يبدأ جسده بالبرود فأول ما تبرد قدماه، ثمّ باقي الجسد.
6) يرتخي فكّه السفليّ بسبب ارتخاء عضلات الوجه.
7) تلتفّ ساقه اليمنى على ساقه اليسرى.
8) يبدأ جسده بالتيبس شيئًا فشيئًا حتى يتحول إلى جثةٍ هامدةٍ.
اقرأ أيضا:
10 وصايا نبوية تضمن لك الصلاح والاستقامة والسعادة في الدنيا والآخرةدعاء من يصارع سكرات الموت
عن عائشة رضي الله عنها قالت : رأَيْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وهُوَ بِالموتِ ، عِندهُ قدحٌ فِيهِ مَاءٌ ، وهُو يدخِلُ يدهُ في القَدَحِ ، ثم يمسَحُ وجهَهُ بالماءِ ، ثم يقول : « اللَّهُمَّ أَعِنِّي على غمرَاتِ الموْتِ وَسَكَراتِ المَوْتِ » رواه الترمذي.
عن عائشة رضيَ اللَّهُ عنها قالت : سَمِعْتُ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وهُوَ مُسْتَنِدٌ إِليَّ يَقُولُ : «اللَّهُمَّ اغفِرْ لي وَارْحمْني ، وَأَلحِقني بالرَّفِيقِ الأَعْلَى » متفق عليه.
دلالة سكرات الموت على صاحبها
سكرات الموت ليست بالضرورة أن تكون علامة على صلاح الإنسان أم فساده، وبالرغم من أن هذا الأمر ليس مؤشرا على الصلاح أو الفساد، إلا أنه قد يكون علامة فى بعض الأوقات حيث قال الله تعالى «وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ»، فالعبد إذا كان فى إقبال على الدنيا وإدبار على الآخرة تحضر له عند الموت ملائكة سود الوجوه ويوبخ ويقال لروحه "اخرجى أيتها الروح الخبيثة" فتخرج فى ألم شديد، وأما إذا كان فى إقبال على الآخرة وإدبار على الدنيا تأتى له الملائكة فى هيئة حسنة وتبشره بمقعده من الجنة وتخرج منه الروح بكل سهولة وبدون ألم، فالشدة فى السكرات قد تكون من أجل رفعة صاحبها كما ورد فى الحديث "أشد الناس بلاء الأنبياء".
حقيقة رؤية الميت للملائكة في سكرات الموت
المتوفى يرى الملائكة بروحه، والذي يتوفى وهو نائم يرى الملائكة والعين الحقيقية التي ترى هي الروح بدليل أن المتوفى الروح خرجت منه لكن عيناه موجودة بجسده ولكنه لا يرى لأن الروح خرجت منه"، فإذا توفى الإنسان وهو نائم فيعاين الملائكة كما أخبرت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
سورة قرآنية أوصى النبي بقراءتها لتسهيل سكرات الموت
ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن هناك سورة قرآنية يستحب قراءتها على رأس المحتضر لتخفيف سكرات الموت، فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ».
ورأى الفقهاء أن السبب في استحباب قراءتها: أن هذه السورة مشتملة على التوحيد والمعاد , والبشرى بالجنة لمن مات على التوحيد بقوله: «قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ» فتستبشر الروح بذلك, فيسهل خروجها، ورأى بعض العلماء أن يس تساعد على خروج الروح، ويأذن الله تعالى للمحتضر بالموت عند قوله تعالى: «قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)».
نصائح لتسهيل سكرات الموت
1/ الإكثار من قول لا إله إلا الله محمد رسول الله.
2/ التوقف عن مظالم العباد ، فمن له حق عندك الآن سارع بإرجاعه واطلب السماح من كل من ظلمت و تعلم أن تعتق نفسك من حقوق الناس في كل لحظة فمن عقوبات المظالم أن يشدد في السكرات .
3/ الحفاظ على الصلاة في مواقيتها، فالمحافظة على الصلاة بخشوع وطمأنينة يعطيك انشراح الصدر في الدنيا والخير في الآخرة والتخفيف من السكرات في الموت.
4 - أكثر من الصلاة على النبي فصلاتك عليه تفرح قلبك وتزيل همك وتشرح صدرك .
5 – الإكثار من الصدقات.
6- الإكثار من قراءة القرآن العظيم ، الذي هو شفاء ونور ويقين ، حفظاً وقراءةً وتدبراَ .
7- البر والصلة بالوالدين.
8 - تابع بين العمرة والحج لتتخفف من الذنوب وأسأله سبحانه أن يستر العيوب .
قالوا عن سكرات الموت :
حينما حضرت الحسن البصري المنية حرك يديه و قال :هذه منزلة صبر و استسلام .