لكن للأسف كثير مِن المسلمين لا يعرف القرآن إلا في رمضان، وبعد انتهاء الشهر يضعون المصاحف على الأرفف وفي المكتبات حتى يتراكم عليه التراب .. وكأن القرآن جزء مِن الديكور والزينة والقرآن .. لم يجعل القرآن لهذا، بل أنزله الله تعالى للتدبر والتأمل والفهم والتطبيق. ومما يؤكد أهمية القرآن في حياة كل مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: «اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي», فكيف يكون القرآن ربيع القلوب ونور الأبصار وجلاء الأحزان وهو مهجور؟! مكانة القرآن عن الصحابة والسلف الصالحوقد كانت مكانة القرآن في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم و السلف الصالح عظيمة جدًّا, فمِن مظاهر ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: «إذا سمعت قول الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فأرعها سمعك، فإنها خير يأمر به، أو شر ينهى عنه». (تفسير القرآن العظيم 1/91)، ولما نزلت آية الحجاب بادر نساء الصحابة للالتزام بها، ولما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ،إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ (المائدة: 90-91)، قال عمر رضي الله عنه: «انتهينا انتهينا». (رواه الترمذي والنسائي)، ولما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع». (رواه مسلم)، فلبث المسلمون زمانًا يجدون ريحها في طرق المدينة لكثرة ما أهرقوا منها.وهكذا كانت سرعة استجابتهم لما به حياتهم، وكذا في تحويل القبلة مِن بيت المقدس إلى البيت الحرام، كيف تلقوا الأمر بالقبول؟ وما كان تحويل القبلة إلا امتحانًا لهم، امتحانًا ليعرف الحي من الميت، قال سبحانه: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْه﴾ (البقرة: 143)، فنجحوا في ذلك الامتحان، فمِن حديث البراء «كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده -أو قال: أخواله- مِن الأنصار، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأن أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم فخرج ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت». القرآن الكريم وتربية النشءوقد كان السلف ينشئون أطفالهم على حفظ القرآن، ثم يحفظونهم الكتب الستة (أي: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجة). وبعد أن يتموا ذلك يقومون بتحفيظهم مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم، وبذلك يشب الطفل المسلم على وعي بكتاب ربه وسنة نبيه صلوات ربي وسلامه عليه. وهكذا حقق الإسلام تقدمه وتفرده، وازدهرت حضارة الإسلام على جميع الحضارات التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وتفوقت عليها؛ وذلك بحفظ كتابها والعمل بمقتضاه. |