كثير من الناس يقدس هواه فيصنع منه شيخًا أو عالمًا يحلل له كيف يشاء ويحرم له متى شاء، ويظل بعض الناس يطوع علمه ودينه ليس إرضاءً لله تعالى، ولكن إرضاءً لرغباته وشهواته، وانتصارًا لرأيه، حتى أنه يقنع نفسه بأن ما يتفق مع هواه هو الحق المبين، فيتلبس بالباطل الذي يصنع منه حقًا مزيفًا، ويسيطر عليه الشيطان، فيزين له عمله، بل ربما يجعله على استعداد أن يموت في سبيله، ظنًا منه أنه يجاهد من أجل هذا الحق المزعوم، ليصل في النهاية إلى عبادة هواه حتى إذا ما صار هواه إلها له، أمر الناس أن يعبدوه .
يقول الله تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.
بما يتصف صاحب الهوى؟
صاحب الهوى لا حكَمَةَ له ولا إمام، إلهه هواه، متعصب لرأيه هو فقط، آراؤه العلمية، وفتاواه الفقهية، ومواقفه، تأتي تبعًا لهواه.
يقول عبد الله بن عون البصري :"إذا غلب الهوى على القلب،استحسن الرجل ما كان يستقبحه".
صاحب الهوى ليس له معايير ضابطة، ولا مقاييس ثابتة، يردُّ الدليل إذا خالف هواه لأدنى احتمال، ويستدل به على ما فيه من إشكال أو إجمال، وإذا لم يستطع ردَّ الدليل لقوته، حمله على غير وجهه، وصرفه عن ظاهره إلى احتمال ظني غير ثابت.
وصاحب الهوى إذا امتلك بعض العلم مشى به فتنة بين الناس، ليصبح مستشار كل ظالم، وفتنة كل جاهل، بما يسوغه لهم من الآراء الباطلة، ويسوقه لهم من الأدلة الزائفة، ويلبس عليهم به من الشبه، قال الحسن البصري: "شرار عباد الله الذين يتبعون شرار المسائل ؛ ليعموا بها عباد الله".
وصاحب الهوى تسهل استمالته من قبل أعداء الأمة، ومفرق لجماعة المسلمين، يطعن في كل حوله ويهمز ويلمز بهم، فضلا عن أنه يعيش معتزلاً كل من يخالف هواه، وإن كان أهدى سبيلا منه، مقرباً لكل من هو على شاكلته وإن كان للشيطان وليا.
كيف عرف القرآن أصحاب الهوى؟
الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة ، هو أصل دين الإسلام ،فمن أسلم وجهه لله ،ووقف عند حدود الله ،فقد اهتدى ، في حين الالتفاف على ما شرعه الله سبحانه وتعالى يأتي من قبيل اتباع الهوى، لذلك حذر الله سبحانه وتعالى من اتباع الهوىو قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (النازعـات:40،41) .
وذلك أن المعاصي، والبدع، كلها منشأها من تقديم الهوى على الشرع . قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} (النازعـات:37ـ 39 ) .
لذلك يقول العلماء إن فساد الدين يقع بالاعتقاد بالباطل، أو بالعمل بخلاف الحق "فالأول البدع، والثاني اتباع الهوى، وهذان هما أصل كل شر وفتنة وبلاء، وبهما كُذِّبت الرسل، وعُصى الرب، ودُخلت النار، وحلت العقوبات" ولذلك ما ذكر الله الهوى في كتابه إلا على سبيل الذم ، وأمر بمخالفته، وبين أن العبد إن لم يتبع الحق والهدى، اتبع هواه.
قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} (القصص:50)، وقال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الأعراف:176)، وقال تعالى: {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} (النساء:135) .
خطر اتباع الهوى وآثاره السيئة
سبب لفساد الأمور، قال تعالى : " وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ " [المؤمنون: 71] .
سبب الضلال عن الهدى والهوان في الدنيا، قال تعالى : " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " [الأعراف: 176] .
سبب فساد الرأي والفكر والوقوع في التناقض، قال تعالى : " وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا "[الكهف: 28] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والأخر أسود مُربادًّا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه» (رواه مسلم) .
سبب التفرق والاختلاف وكثرة الشقاق .
يؤدي لتزيين الباطل والزهد في الحق وتأليه الهوى فيطبع على قلبه ويختم على سمعه، ويجعل على بصره غشاوة، قال تعالى : " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " [الجاثية: 23] وقال سبحانه وتعالى : " وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ " [القصص: 50] .
يورث الكبر والعجب فيزري بصاحبه أمام الآخرين.
يصد عن قبول الحق واتباعه، ويزين الباطل ويقلبه في صورة الحق، بل ربما صار صاحبه منافحًا عن الباطل مضادًا للصواب من حيث يشعر أو لا يشعر، يقول علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - : «إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان : طول الأمل، واتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق» .
سبب في ظلم العبد لنفسه ولغيره، فيظلم نفسه بارتكابه ما حرم الله وإعراضه عما أمر الله به، ويظلم غيره بالبغي والعدوان في أقواله وأفعاله .
يضعف الإرادة والعزيمة ويخذل عن طلب المعالي، ويجعل صاحبه في عداد أهل الجهل والخذلان ويحجبه عن منازل أهل الشرف والعرفان .
اقرأ أيضا:
كل الأخطاء مغفورة عند الله.. إلا هذا الذنب