في محاضرة رائعة طوف بنا الداعية الإسلامي الدكتور عمرو خالد عن فضل
ليلة القدر، وسبب تسميتها بهذا الاسم، موضحًا كيف تكون ممن شملهم عفو الله تعالى في هذه الليلة المباركة.
وأضاف الداعية الإسلامي في درسه اليومي أن ليلة القدر سميت بهذا الاسم لكونها ليلة عظيمة القدر عند الله تعالى القدر، موضحا هناك علاقة كبيرة بين التسمية وبين ما ورد في القرآن من في قوله تعالى:"وما قدروا الله حق قدره" فالله تعالى عظيم القدر وحقه أن يقدر من عباده، مذكرا أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية على أصحابه في خطبه كما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الزمر:67)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده ويحركها يقبل بها ويدبر يمجد الرب نفسه أنا الجبار أنا المتكبر أنا الملك أنا العزيز أنا الكريم فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا ليخرن به، معلقا على ها بقوله: المنبر اهتز.. فأنت قلبك متى يهتز، يقول تعالى: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعًا متصعدًا من خشية الله"، وقوله تعالى: فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا"؛ فالجبال تهتز لكلام الله فأين قلوب عباده؟
ويبين د. عمرو العلاقة بين قدر الله وليلة القدر أن الله يغفر لكل العباد في ليلة واحدة لأن هذا قدر الله فغيره سبحانه لا يفعل حتى لا يسأل أما الله فلا يسأل عما يفعل.
ليلة عظيمة القدر.
وأيضا حتى يمتلئ قلبك بقدر الله تعالى والتعرف على قدرته حتى تقدره سبحانه وتعالى حق قدره، أما من يعبد الله تعالى دون أن يقدره فهو مثل الأطفال الذين يريدون الجوائز دون أن يقدموا شيئا، أما العقلاء فهم من يعبدون الله تعالى ويعظمون ويجلون حتى يحصلوا على هذا القدر العظيم من العطايا والمنح في هذه الليلة المباركة والتي لا يمنحها إلا الله سبحانه وتعالى بهذا القدر الواسع من الفضل والجود والسخاء.
وفي لفتة جميلة، ألمح الداعية الإسلامي إلى أن فضل العبادة في ليلة القدر كما ذكرت الآية خير من ألف شهر، متسائلا كما يكون تقدير خير من ألف شهر 80 سنة أم 100سنة أم 200 أم عمر البشرية، ثم يجيب أنه بمقدار قدر الله تعالى في قلبك والله أعلم؛ فكلما زاد قدر الله في قلبك كلما زادت العطايا لك وزاد مقدار مضاعفة الأعمال والطاعات بالنسبة لك.
كيف الطريق لتقدير الله؟
بكثرة الذكر بأسماء الله الحسنى كما ذكر في برنامجه الرمضاني
كأنك تراه، وعن الشق الروحي في ليلة القدر، يوضح د. عمرو أنها ليلة العفو والغفران ولذا خصت بدعاء اللهم إنك عفو تحب
العفو فاعف عني، مؤكدا أن عفو الله يتعلق بعفوك أنت عن غيرك في الدنيا، داعيا لمسامحة الناس جميعا والعفو عمن أخطأ في حقك حتى يسامحك الله، وتنقية القلب من أربع صفات: الحقد، الغل، الحسد، الخبث.
ويوضح أن من دواعي ليلة القدر أن تذهب إلى الله بقلب سليم، سليم من هذه الأمراض، داعيا لأهمية الدعاء بهذا الدعاء: رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الهُدَى إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، إِلَيْكَ مُخْبِتًا أَوَّاهاً مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي"
وذكر ما ورد في الصحيح من أن الني قال: "كنا يومًا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يطلع عليكم الآن من هذا الفجِّ رجلٌ من أهل الجنة))، قال: فطلع رجلٌ من أهل الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، قد علَّق نعلَيْه في يده الشمال، فسلَّم، فلما كان الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل على مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثلِ حاله الأول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تَبِعه عبدُالله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحَيْتُ أبي، فأقسمت ألاَّ أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضيَ الثلاث فعلتَ، قال: نعم، قال أنس: كان عبدالله يُحدِّث أنه بات معه ثلاثَ ليالٍ، فلم يره يقومُ من الليل شيئًا، غير أنه إذا تَعارَّ انقلب على فراشِه، وذكر الله، وكبَّر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضَتِ الثلاثَ، وكِدْتُ أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين والدي هجرة ولا غضب، ولكني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات: ((يَطلُعُ الآن عليكم رجلٌ من أهل الجنة))، فطلَعتَ ثلاث مرات، فأردتُ أن آوي إليك؛ لأنظرَ ما عملُك، فأقتديَ بك، فلم أرَك تعملُ كبيرَ عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيتَ، قال: فانصرفتُ عنه، فلما ولَّيْتُ دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيتَ، غير أني لا أَجِدُ في نفسي على أحدٍ من المسلمين غشًّا، ولا أحسدُه على ما أعطاه الله إيَّاه، فقال عبدالله: هذه التي بلغَتْ بك هي التي لا نطيق"، داعيا لسلامة الصدر.
قيل لرسول الله ﷺ: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل، ولاحسد".
واجب عملي:
ويؤكد أن الطيبة معناها عدم الخبث واللؤم قال تعالى: "طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة"، وفي واجب عملي، دعا إلى العفو عن الناس حتى يعفو الله عنك، موضحا ذلك بطريقة عملية بأن تكتب 10 أسوأ ناس في حياتك بادئا بالأسوأ ثم تسامح بدائا بالأقل وهكذا وأنت على يقين أنك متى تسامح الناس وتعفو عنك يسامحك الله ويعفو عنك، وعن أبسط طريق المسامحة، بين أنها قد تكون بمحادثته وزيارته أو مكالمته هاتفيا، أو على الأقل رسالة خاصة له على هاتفه، فإن لم تستطع فعل أي من هذه الأمور فتجاوزه وانس ما مر ولا تتعرض له بأذى وحاول أن تغض الطرف عنه وعن سيرته حتى يغفر الله لك في هذه اليلة المباركة، مذكرا بما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهذه الآية نزلت في الصديق ، حين حلف ألا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال ، كما تقدم في الحديث . فلما أنزل الله براءة أم المؤمنين عائشة ، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت ، وتاب الله على من كان تكلم من المؤمنين في ذلك ، وأقيم الحد على من أقيم عليه - شرع تبارك وتعالى ، وله الفضل والمنة ، يعطف الصديق على قريبه ونسيبه ، وهو مسطح بن أثاثة ، فإنه كان ابن خالة الصديق ، وكان مسكينا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر ، رضي الله عنه ، وكان من المهاجرين في سبيل الله ، وقد ولق ولقة تاب الله عليه منها ، وضرب الحد عليها . وكان الصديق ، رضي الله عنه ، معروفا بالمعروف ، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب . فلما نزلت هذه الآية إلى قوله : ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) أي : فإن الجزاء من جنس العمل ، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك ، وكما تصفح نصفح عنك . فعند ذلك قال الصديق : بلى ، والله إنا نحب - يا ربنا - أن تغفر لنا . ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا ، في مقابلة ما كان قال : والله لا أنفعه بنافعة أبدا ، فلهذا كان الصديق هو الصديق، وهذا الخلق هو ما نريد تفعيله في دنينا ونحن في هذه الليالي الفاضلة حتى ننعم بعفو الله لنا.