دائمًا ما يبحث الإنسان عما يرفع به رأسه وسط الناس، ويحدث الصراع بين الاعتقاد في أن
المال هو السبيل الأساسي لنيل احترام الناس لما له من زخرف وسحر لا يعادله سحر آخر، وبين القيمة الحقيقية للإنسان في التزامه بالقيم الإيمانية والأخلاق والمبادئ التي تعزز من احترامه لنفسه، وتؤدي به إلى ما يجب أن يكون من الكرم والعزة والشرف .
ويقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (مسكينٌ ابنُ آدمَ لو خافَ مِنَ النّارِ كَما يَخَافُ الفَقْرِ لنَجَا مِنْهما جَميعاً، ولو رَغِبَ في الجنّةِ كَما يَرْغَبُ فِي الغِنَى لفازَ بهما جميعاً، ولَو خافَ اللهَ في البَاطِنِ كما يخافُ خَلْقَهُ في الظاهِرِ لَسَعِدَ في الدّارينِ جَميعا).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم رغم نسبه وحسبه إلا أنه كان فقيرا، ومع ذلك كان يوصف في قبيلته بالصادق الأمين، بلكان يثق فيه كبراء قبيلته للحكم فيما بينهم، بل ويحملونه أمانة أموالهم، فكانوا يتركون عند النبيصلى الله عليه وسلم أموالهم لعلمهم بأمانته ورجاحة عقله، فكان مصدر الثقة والأمان لهم.
ومع ذلك وصل النبي صلى الله عليه وسلم لقلوب الأخرين بالتواضع، وحث عليه بقوله: "إن الله أوحَى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يَبغي أحد على أحد"، وقال أيضًا: "طُوبَى لمن تواضع في غير منقصة، وأنفق مالاً جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذل والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة".
اقرأ أيضا:
زوجتي طفلة كلما غضبت خاصمتني وذهبت لبيت أهلها.. ماذا أفعل؟كما أسر النبي صلى الله عليه وسلم قلوب أصحابه بالحب، فالحب وهو شعور نبيل طاهر، لا معنى للحياة دونه، وهو يتجاوز فكرة الحب بين الرجل والمرأة، إلى كونه أن يحب الإنسان جميع الناس، كل الناس، وأن يحب الخير لهم، حبه لنفسه، فإن لله سبحانه وتعالى تسعًا وتسعين اسمًا، من ضمنها اسم الودود بمعنى المحب لخلقه وعبادة، وقد جعل محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم أعلى درجات الحب وأرقاها وأكثرها أجرًا، وأوجبها على المسلم، وجعل طاعته بمحبته، إذ قال تعالى: "قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ".
ومن أعظم درجات الحب، الإيثار، وهو أن تفضل أخاك المسلم على نفسك بكل ما هو خير، وأن تحب لأخيك المسلم ما تحبه لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك، وأن تكون سالم الصدر، من الحسد والحقد والبغضاء.
من وحي وصايا لقمان.. كيف تبني شخصيتك؟
اشتهر لقمان بوصاياه العظيمة التي أوصاها لابنه والتي خلدها القرآن الكريم؛ نظراً لأهميتها وقيمتها الكبيرة.
ولعل أحد أهم هذه الوصايا قوله لابنه: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) .
ونصح لقمان ابنه بالاستغفار، ومجالسة العلماء ومزاحمتهم؛ وذلك لأنّ الله يحي القلوب الميتة من خلال نور الحكمة كما يحيي الله الأرض الميتة بوابل السماء.
ومما وعظ به لقمان ابنه أنه نهاه عن ظلم الناس؛ ولو بحبة خردل، فإن الله يسأل عنها ويحضرها حوزة الحساب ويضعها في الميزان :
(يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير)
ثم قال له: (يا بني أقم الصلاة) أي أدها بجميع واجباتها من حدودها وأوقاتها وركوعها وسجودها وطمأنينتها وخشوعها وما شرع فيها واجتنب ما ينهي عنه فيها.
ومن أهم وصايا لقمان لولده: (ولا تصعر خدك للناس)، ومعناه ألا تتكبر على الناس وتميل خدك حال كلامك لهم وكلامهم لك على وجه التكبر عليهم والازدراء لهم، وفي هذا قال أهل اللغة: وأصل الصعر داء يأخذه الإبل في أعناقها فتلتوي رؤوسها فشبه به الرجل المتكبر الذي يميل وجهه إذا كلم الناس أو كلموه على وجه التعظم عليهم.
وأوصى لقمان: (ولا تَمشِ في الأَرضِ مَرَحاً إنّ اللّهَ لا يُحِبُ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ) فنهى عن التبختر في المشية على وجه العظمة والفخر على الناس.
ثم قال : (واغضض من صوتك) يعني إذا تكلمت لا تتكلف رفع صوتك؛ فإن أرفع الأصوات وأنكرها صوت الحمير.
ومن وصاياه تجنبّ تأخير التوبة؛ لأنّ الموت يأتي بغتة، وكثرة تذكر الدار الآخرة؛ لأنها أقرب للإنسان من الدار الدنيا؛ فالإنسان يسير نحو الدار الآخرة ويبتعد عن الدار الدنيا.
كما أوصى ولده بتقوى الله سبحانه وتعالى، مع عدم إظهار خشية الله أمام الناس؛ حتى لا يكرموا هذا الإنسان وقلبه فاجر بالله، وألا يتخذ تقوى الله سبحانه وتعالى تجارة؛ حتى يحصل على الربح الوفير دون بضاعة.
كذلك أوصاه بتجنب الديْن؛ وذلك لأنّه ذلٌ في النهار وذلٌ في الليل، وتجنب الكذب، وتجنب الأكل على شبع؛ فخير للإنسان أن يقذف هذا الطعام للكلب على أن يأكله.
ومن وصايا لقمان وحكمه
- إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك.
- ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة: الشجاع في الحرب، والكريم في الحاجة، والحليم عند الغضب.
- إياك وكثرة الاعتذار، فإن الكذب كثيراً ما يُخالط المعاذير.
- اعتزل عدوك، واحذر صديقك، ولا تتعرض لما لا يعنيك.
- إيّاك والسؤال؛ فإنّه يذهب ماء الحياء من الوجه.
- لتكن كلمتك طيبة، وليكن وجهك بسطاً تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء.
- لا شيء أطيب من اللسان إذا طاب، ولا أخبث منه إذا خبث.
- الخير يطفئ الشر؛ كما يطفئ الماء النار.
- يا بني إنه من يرحم يرحم، ومن يصمت يسلم، ومن يقل الخير يغنم، ومن يقل الباطل يأثم، ومن لا يملك لسانه يندم.
-إن من الكلام ما هو أشد من الحجر وأنفذ من وخز الإبر وأمر من الصبر وأحر من الجمر، وإن من القلوب مزارع فازرع فيها الكلمة الطيبة فإن لم تنبت كلها ينبت بعضها.
- إن الله إذا أراد بقوم سوءًا سلط عليهم الجدل وقلة العمل.
- يا بني: لا تضحك من غير عجب، ولا تمشي في غير أدب، ولا تسأل عما لا يعنيك.
- إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة.
- إياك وشدة الغضب؛ فإن شدة الغضب ممحقة لفؤاد الحكيم.