أنس محمد
ترفع الأعمال إلى الله في شهر شعبان، من كل عام، فمن فعل خيرًا يعرض عمله في صحيفته ليسجل عليه إلى يوم القيامة، ومن عمل شرًا كذلك، إلا أن بعض الناس تحبط أعمالها من الخير وتسود صحيفتها بما يخرج من ألسنتها.
لذلك يقول النبي فيما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله؛ فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)) .
والإنسان مسؤول عن كل لفظ يخرج من فمه، حيث يسجله الله ويحاسبه عليه، يقول الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ ...)، «سورة ق: الآية 18»، ويقول في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)، «سورة الأحزاب: الآية 7»، وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوصني: فقال: «احفظ لسانك»، ومن صفات المؤمنين أنهم يحفظون ألسنتهم من الخوض في أعراض الناس، ويبتعدون عن اللغو في الكلام، قال الله عز وجل: (... وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)، «سورة الفرقان: الآية 72»، ونهى الله عز وجل عن تتبع عورات الناس.
ومن أخطر ما يأتي به اللسان هو الجهر بالسوء وإفشاء الأسرار، قال تعالى: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)، «سورة النساء: الآية 148»، وجاء الإسلام ناهياً عن كل صفات رديئة تفسد حياة الإنسان وتهدم المجتمع فنهى عن الغيبة، في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)، «سورة الحجرات: الآية 12»، فالغيبة تؤدي إلى تقطيع روابط الألفة والمحبة بين الناس، وتزرع بين الناس الحقد والضغائن والكراهية، وهي تدل على خبث من يقولها وامتلاء نفسه بالحسد والظلم، وقد قال الإمام علي رضي الله عنه، الأشرار يتبعون مساوئ الناس، ويتركون محاسنهم كما يتبع الذباب المواضع الفاسدة.
ونبه الله سبحانه وتعالى على خطورة السخرية من الآخرين فقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ...)، «سورة الحجرات: الآية 11»، كما حذر من النميمة والسباب والشتم، فإن الله سبحانه لا يحب الجهر بالسوء من القول، وقد جاء رجل إلى الرسول وقال دلني على عمل يدخلني الجنه؟ فقال: صلى الله عليه وسلم: «امسك عليك هذا، وأشار إلى لسانه»، وأرشدنا النبي عندما قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»، ومما يدل على عظم خطورة اللسان قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه»، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال، قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟، قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده».
فيجب ألا يستعمل اللسان في الزور والبهتان والنميمة والغيبة والمزاح والهزل والسخرية والاستهزاء والثرثرة والشتائم والقذف والسب والتشهير ولا في ثناء الإنسان لنفسه لأن مادح نفسه مذموم عند الله وعند العبيد، ويجب عدم ذكر عورات الناس.