لا يمكن لإنسان أن ينسى تفاصيل رحلة قام بها في مكان جميل، وامتلأت أوقاتها بلذة النظر إلى ما متعنا الله به في الأرض، فما بالنا إذا كانت الرحلة إلى السماء، والنظر إلى وجه رب الأرض والسموات وما أعده لنا في جناته العلى.
أعظم رحلة في الوجود:
هكذا كانت رحلة الإسراء والمعراج التي مثلت أعجب وأغرب الرحلات التي قام بها البشر على الإطلاق، في قدرة الله تعالى على الإسراء بالنبي محمد "صلى الله عليه وسلم" من مكة الكرمة إلى المدينة المنورّة، وبعد ذلك عُرج به إلى السماوات العُلا، ثمَّ رجع إلى بيت المقدس، وتنتهي الرحلة بعودة النبي "صلى الله عليه وسلم" إلى مكة المكرمة. وكان ذلك كلّه في فترة زمنية قصيرة تتحدد بجزء قليل من الليل، لتكون الرحلة السماوية الإسراء والمعراج إحدى معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
رحلة أرضية وسماوية:
انقسمت الرحلة إلى جزأين، أحدهما في الأرض وهو الممثل في رحلة الإسراء من المسجد الحرام بمكّة إلى المسجد الأقصى ، والآخر في السماء وهو المعراج، من بيت المقدس إلى السموات السبع.
ثبوت الرحلة:
ثبت الإسراء في القرآن الكريم، والأحاديث الصّحيحة المتكاثرة، فأمّا ما جاء في القرآن الكريم فهي سورة كاملة سميت بهذه الرحلة وهي سورة الإسراء، وفيها يقول الله سبحانه وتعالى: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). وأمّا المعراج فهو ثابت بالأحاديث الصّحيحة، ولقد تعدّدت الرّوايات حول الإسراء والمعراج في السّيرة والأحاديث النّبوية الصّحيحة، ولا يوجد حديث واحد يجمع ما ورد من أحداث خلال هذه الرّحلة المباركة مع نصِّ القرآن الكريم عليه في سورتي الإسراء والنّجم.
المعراج في القرآن الكريم:
ويرى بعض العلماء أن رحلة المعراج أشير إليها في سورة النّجم في قوله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى * ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) سورة النجم، 13-18. قال ابن كثير: وقد رأى النّبي "صلى الله عليه وسلم" جبريل عليه السّلام، على هيئته التي خلقه الله سبحانه وتعالى عليها مرّتين؛ حيث كانت الأولى عقب فترة الوحي، عندما كان النّبي "صلى الله عليه وسلم" نازلًا من غار حراء، فرآه حينها على صورته، فاقترب منه، وأوحى إليه عن الله عزّ وجلّ ما أوحى، وإليه أشار الله بقوله: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) سورة النجم، 5-10، والثّانية في ليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى، وهي ما أشير إليه في سورة النّجم بقوله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى) سورة النجم.
الرحلة بالجسد والروح:
يؤكد جمهور العلماء أنّ الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة، وأنّهما كانا في حالة اليقظة بجسده وروحه "صلى الله عليه وسلم"، وهذا ما يدلّ عليه قول الله سبحانه وتعالى في بداية سورة الإسراء: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ)، أي بروحه وجسده. قال الطبري: ولا معنى لقول من قال: أُسْرِيَ بروحه دون جسده، لأنّ ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلًا على نبوته، ولا حجةً له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشّرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكرًا عندهم ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل . مواصفات البراق: 1-البراق دابة ركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء. 2- لونها أبيض شكلها فوق الحمار، وأقل من البغل. 3- يضع حافر قدمه عند منتهى طرفه إذا اعترضه جبل قفز فوقه. 4- إذا هبط ارتفعت قدماه. 5- له جناحان يحفز بهما رحلين. 6- قال عبدالله بن عباس: له خد كخد الإنسان، وعرف مثل عرف الفرس، وقوائم كالإبل وأظافر كالبقر. 7- سمي البراق لشدة بياضه ولسرعة سيره. 8- ليس بذكر ولا أنثى. 9- دابة كان يركبها الأنبياء قبل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. 10- قال سيد التابعين سعيد بن المسيب: البراق دابة كان يركبها خليل الله إبراهيم عليه السلام كان يزور عليها البيت الحرام قادما من الشام الى مكة. عجائب الإسراءالمعراج: ومن أجمل ما رأى النّبي "صلى الله عليه وسلم" خلال رحلته المباركة نهر الكوثر، وهو النّهر الذي اختصّه الله لنبيّه "صلى الله عليه وسلم" وذلك تكريمًا له، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أنّ النّبي "صلى الله عليه وسلم" قال: (بينما أنا أسير في الجنّة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدرّ المجوّف، قلت ما هذا يا جبريل، قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربّك، فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر) رواه البخاري . لكن ماذا رأى النبي في رحلة الإسراء والمعراج؟ 1- الدنيا: رآها بصورة عجوز. 2- إبليس: رآه متنحيًا عن الطريق. 3- قبر ماشطة بنت فرعون وشمَّ منه رائحة طيبة. 4- المجاهدون في سبيل الله: رآهم بصورة قوم يزرعون ويحصدون في يومين. 5- خطباء الفتنة: رآهم بصورة أناس تُقْرَضُ ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار. (وهم الذين يخطبون بين الناس بالفتنة والكذب والغش). 6- الذي يتكلم بالكلمة الفاسدة: رآه بصورة ثور يخرج من منفذٍ ضيقٍ ثم يريد أن يعود فلا يستطيع. 7- الذين لا يؤدّون الزكاة: رآهم بصورة أناس يَسْرَحون كالأنعام على عوراتهم رقاع. 8- تاركو الصلاة: رأى قومًا ترضخ رءوسهم ثم تعود كما كانت، فقال جبريل: هؤلاء الذين تثاقلت رءوسهم عن تأديةِ الصلاة. 9- الزناة: رآهم بصورة أناس يتنافسون على اللحم المنتن ويتركون الطيب. 10- شاربو الخمر: رآهم بصورة أناس يشربون من الصديد. 11- الذين يمشون بالغيبة: رآهم بصورة قوم يخمشون وجوههم وصدورهم بأظفار نحاسية. 12 - مالك خازن النار. 13 - البيت المعمور: وهو بيت مشرف في السماء السابعة وهو لأهل السماء كالكعبة لأهل الأرض، كل يوم يدخُلُهُ سبعون ألف ملكٍ يصلون فيه ثم يخرجون ولا يعودون أبدًا. 14- سدرة المنتهى: وهي شجرة عظيمة بها من الحسن ما لا يصفه أحد من خلق الله، يغشاها فَراشٌ من ذهب، وأصلها في السماء السادسة وتصل إلى السابعة، ورءاها رسول الله صلى اله عليه وسلم في السماء السابعة. 15- الجنة: وهي فوق السموات السبع فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على قلب بشر مما أعدّه الله للمسلمين الأتقياء خاصة، ولغيرهم ممن يدخل الجنة نعيم يشتركون فيه معهم. 16-العرش: وهو أعظم المخلوقات، وحوله ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله، وله قوائم كقوائم السرير يحمله أربعة من أعظم الملائكة، ويوم القيامة يكونون ثمانية، والعرش هو سقف الجنة وهو مكان مشرف عند الله قال الأمام علي كرم الله وجه: إن الله خلق العرش إظهار لقدرته ولم يتخذه مكان لذاته.