في سياق إجابته على التساؤل: لماذا لم يفسر رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن بنفسه؟، يقول العلامة الراحل، الشيخ محمد متولي الشعراوي، إنه "لو أن النبي تعرض لهذه المسـألة تعريضًا لا يناسب استعداد العقول في شيء، ربما فرقهم عن الأصل الفكري للقرآن والمنهجي، وقالوا: تخريف وكلام جنان".
فيترك الحق سبحانه وتعالى منافذ لوثبات العقل، حتى إذا وثبت العقول في العلم أمكنها أن تجد الخير الذي يمكن أن يربطها بالكون كما خلق، ويجعل للعقول المعاصرة لنزول القرآن عطاءً يفيدهم أيضًا.
فلو أن رسول الله فسر القرآن، وأريد به الكونيات فيه، لجُمد القرآن، لأنه من منا يستطيع أن يفسر بعد أن فسر رسول الله.
سيقف الأمر، وما دام سيقف الأمر، تأتي المعطيات الجديدة، ولا تـجد في القرآن عطاءً له. إذن عدم تفسير رسول الله لكونيات القرآن هو تفسير لكونيات القرآن.
اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد
القرآن لم يفسر كله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما فسر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآيات التي أشكلت عليهم، وسبب عدم تفسيره كاملاً في عهده صلى الله عليه وسلم أن الصحابة كانوا عرباً أقحاحاً، والقرآن نزل بلغتهم فلم يحتاجوا إلى تفسير لفهمه، وإنما فسر القرآن كاملاً لما تأخر الزمن، واختلطت اللغات نتيجة للفتوحات الإسلامية، من هنا احتاج الناس إلى معرفة كثير من معانيه، فكتب العلماء كتب التفسير للقرآن آية آية.
وقد أجمع المسلمون على أن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - كان في عصره إمامًا في العلم, فريدًا في التفسير؛ فاستحق بذلك هذا اللقب عن أهلية وجدارة لعلو همته, ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بقوله: اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ. رواه أحمد, وغيره، وصححه الأرناؤوط.
ولكن القرآن الكريم لم يفسر تفسيرًا كاملًا في العهد الأول، لا من النبي صلى الله عليه وسلم, ولا من غيره، نظرًا لعدم حاجة الناس لذلك؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر للناس ما يحتاجون إلى تفسيره, ويبين لهم ما يحتاجون إلى تبيينه امتثالًا لأمر الله تبارك وتعالى, حيث أمره بقوله: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {النحل: 44} وهكذا كان ابن عباس وغيره من الصحابة - رضوان الله عليهم - يفسرون ما يحتاج الناس إلى تفسيره من القرآن؛ لأن أكثر الناس في ذلك الوقت لا يحتاجون للتفسير نظرًا لسليقتهم العربية, ومشاهدتهم لمراحل الدعوة, ومعرفة أسباب نزول القرآن.
ولذلك لا توجد كُتب مستقلة في تفسير القرآن الكريم للصحابة, ولا للتابعين، ولكن أقوالهم نقلت إلينا في كتب التفسير التي دونت بعدهم, كتفسير الطبري, وغيره.
والصحابة اختلفوا في التفسير, وفي الفروع, وفيما يحتمل وجوهًا عدة؛ لذلك فإن ما تلاحظه في كتب التفسير من أقوال مختلفة لهم لا ينبغي لطالب العلم أن ينزعج منه, أو يضيق به ذرعًا؛ لأن هذا النوع من الاختلاف مقبول, وتحتمله الآيات القرآنية؛ فهو اختلاف رحمة وتوسعة, وإثراء للتفسير والفقه، ولهذا قال العلماء: اختلاف الأئمة رحمة واسعة, وإجماعهم حجة قاطعة.
وأكثر اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير – بل واختلاف ابن عباس نفسه - هو اختلاف تنوع، وليس اختلاف تضاد؛ لأن القرآن الكريم بحر زاخر حوى من معارف الأولين والآخرين, وعلوم الدين والدنيا, وما يحتاج إليه الناس لهدايتهم وإصلاح حالهم ومآلهم، ولن تنتهي عجائبه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو معجزة الإسلام الخالدة, وخاتمة وحي السماء وهدي الأنبياء، فلا يمكن أن يكتفى فيه بتفسير عالم واحد, ولو كان تفسير حبر الأمة وترجمان الذكر - ابن عباس - ولا يمكن أيضًا أن يكتفى فيه بتفسير مدرسة خاصة, أو عصر من العصور, أو مصر من الأمصار, ولو كان من القرون المفضلة, أو من الأمصار المعروفة بالعلم, فكل عالم أو أهل عصر أو مصر يغرفون من معين بحره حسب علمهم وفهمهم، وما يهتمون به من معارف، ويستخرجون من كنوزه ما يفتح الله تعالى به عليهم؛ ولهذا نلاحظ تفسير الفقهاء، وتفسير أهل اللغة والأدب، وتفسير أهل الدعوة والإصلاح، وتفسير أهل التربية والأخلاق.
اقرأ أيضا:
هل يرد جميع الخلق "المؤمن والكافر" على النار يوم القيامة؟ (الشعراوي يجيب)طرق النبي في قراءة القرآن
طالب الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي في مقطع فيديو عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، متابعيه بالحرص على قراءة القرآن الكريم خلال شهر رمضان مبارك.
يقول "خالد": "سوف نقرأ القرآن الكريم في رمضان وهنعيش مع القرآن في الشهر المبارك، كاشفا عن طرق النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن الكريم.
ويضيف أن للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة طرق لقراءة القرآن (طريقة الحدر) و(طريقة التوسُّط) و(طريقة الترتيل).. والحدر يعني القراءة السريعة جدا للقرآن الكريم .. وأحد الصحابة يقول إنه قرأ على رسول الله حدرًا بمعنى أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القراءة السريعة.. فالنبي صلى الله عليه وسلم علمها لأحد الصحابة.
ويشير "خالد" إلى أن القراءة الثانية وهي متوسطة أو (التوسُّط) وهي الطريقة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقراءها في صلاة المغرب وصلاة العشاء وصلاة الفجر، أما الطريقة الثالثة وهي الترتيل فهي القراءة المتأنية كأنك تعد حروف القرآن الكريم عدًا أو كأنك تتأمل كل حرف وكل لفظ ليس بطيئًا جدا ولكن قراءة تستمع فيها بمعنى الكلمة وتعيش فيها مع معنى الكلمة.
واستدرك الداعية الإسلامي بالقول : إن رسولنا الكريم كان يصلي بطريقة الترتيل في قيام الليل وإذا مر بآية فيها تبشير بالجنة دعا الله وإذا مر بآية فيها كلام عن النار تعوذ بالله أما إذا مر بآية فيها طلب طلب من الله، بمعنى تمشي مع القرآن وتعيش معه، مؤكدا أنه "كما لو أن فكرة قراءة القرآن الكريم بطريقة الترتيل هي الأجمل لشهر رمضان المبارك".